حق المشير

 

 

 

 

وَأمّا حَقُّ المُشِيرِ عَلَيْكَ فَلا تتَّهِمْهُ فِيمَا لا يُوافِقُكَ عَلَيهِ مِنْ رَأْيِهِ إذا أَشَارَ عَلَيْكَ فَإنَّمَا هِيَ الآرَاءُ وَتصَرُّفُ النَّاسِ فِيهَا وَاختِلافُهُمْ. فَكُنْ عَلَيهِ فِي رَأيِهِ بالخِيَارِ إذا اتَّهمْتَ رَأْيَهُ، فَأَمّا تُهْمتُهُ فَلا تَجُوزُ لَكَ إذَا كَانَ عِنْدكَ مِمَّنْ يَسْتَحِقُّ الْمُشَاوَرَةَ. وَلا تَدَعْ شُكْرَهُ عَلَى مَـا بَدَا لَكَ مِن إشْخاصِ رَأْيِهِ وَحُسْنِ وَجْهِ مَشُورَتِهِ، فَإذا وَافَقَكَ حَمِدتَ اللَّهَ وَقَبلْتَ ذلِكَ مِن أَخِيكَ بالشُّكْرِ والإرْصَادِ بالْمُكَافَأَةِ فِي مِثلِهَا إنْ فَزِعَ إلَيْكَ. وَلا قُوَّةَ إلا باللهِ.

أرشدتنا النصوص الدينية إلى من ينبغي مشاورتهم ومن لا ينبغي، إذ لا يصلح كل أحد أن يكون مستشارا. ففي جانب الذين لا يصلحون للاستشارة، ذكرت الروايات الجبان والبخيل والحريص والكذاب والأحمق، وفي الجانب الآخر حدد الإمام الصادق مواصفات المستشار بقوله: " إن المشورة لا تكون إلا بحدودها الأربعة. فأولها أن يكون الذي تشاوره عاقلا، والثانية أن يكون حرا متدينا، والثالثة أن يكون صديقا مواخيا، والرابعة أن تطلعه على سرك فيكون علمه به كعلمك ثم يسر ذلك ويكتمه".
 
ومن كان بهذه المواصفات، فله بالتأكيد حقوق يجب الوفاء بها، وهي التي ذكرها الإمام في هذا المقطع من رسالة الحقوق.

أول حقوق المستشار عليك كمستشير هو عدم إساءة الظن بشخصه إذا لم يتفق معك في الرأي، لأنه قد بذل جهده واستفرغ وسعه لاستخراج الرأي الذي رأى فيه مصلحتك، والناس بطبيعة الحال تختلف آراؤهم في الموضوع الواحد تبعا لعدة اعتبارات، كاختلاف الخبرات والتجارب، واختلاف مستويات التفكير، واختلاف الزوايا التي يركزون عليها، وغير ذلك.

كما أن المستشار ليس المطلوب منه التطابق مع المستشير في الرأي، وإلا انتفت الحاجة له من الأساس. بل قد ورد في الرواية عن الإمام علي تحذير المستشار من البحث عن رأي يحمل سمات المجاملة والتوافق مع رغبات المستشير. وهو ما يفعله كثير من المستشارين النفعيين من ذوي المصالح والأهواء. يقول عليه السلام: " وخَفِ الله في موافقة هوى  المستشير؛ فإن التماس موافقته لؤم، وسوء الإسماع منه خيانة ".

وبناء على هذا يظل القرار الأخير بيدك إذا لم تستحسن رأي المشير، فرأيه غير إلزامي بالنسبة لك. المهم أن تبتعد عن توجيه اتهام شخصي له بعدم الأهلية للمشورة مثلا ما دمت قد أقدمت على استشارته باختيارك بناء على معطيات حقيقية لديك تؤهله لذلك. يمكنك بالطبع أن تتهم رأيه في هذا الموضوع بعدم الصواب مثلا، فتلك وجهة نظر مقابل وجهة نظر أخرى، وهذا يقع داخل دائرة المسموح به لأنه لا يتجاوز الرأي إلى الشخص.

أما ثاني حقوق المستشار – سواء أعجبك رأيه أو لم يعجبك -  فهو تقديم الشكر له والثناء عليه للمشورة التي قدمها والجهود التي بذلها في تقليب وجوه الرأي واختيار أفضلها من وجهة نظره.

فإذا استحسنت رأيه حمدت الله على ما هيأه لك من وجود آخرين يشاركونك عقولهم وتجاربهم، وينصحونك محض الرأي.

هناك حق ثالث للمستشار يتمثل في استعدادك النفسي لانتهاز أقرب فرصة لمكافأته ومقابلة جميله بجميل آخر، ومشورته بمشورة مثلها مخلصة إن طلب ذلك. وهذا ما أشار إليه الإمام بقوله: ﴿والإرْصَادِ بالْمُكَافَأَةِ فِي مِثلِهَـــــا إنْ فَزِعَ إلَيْكَ.

شاعر وأديب