حق الناصح

 

 


وَأمّا حَقُّ النَّاصِحِ فَأَنْ تُلِينَ لَهُ جَنَاحَكَ ثُمَّ تشرئب لَهُ قَلبَكَ،وَتفْتَحَ لَهُ سَمْعَكَ حتَّى تَفْهَمَ عَنهُ نصِيحَتَهُ، ثُمَّ تنْظُرَ فِيهَا، فَإنْ كَانَ وُفّقَ فِيهَا لِلصَّوَاب حَمِدْتَ اللَّهَ عَلَى ذَلِكَ وَقَبلْتَ مِنْهُ وَعَرَفْتَ لَهُ نَصِيحَتَهُ، وَإنْ لَمْ يَكُنْ وُفّقَ لَهَا فِيهَا رَحِمْتَهُ وَلَمْ تتَّهِمَهُ وَعَلِمْتَ أَنَّهُ لَمْ يألُكَ نُصْحًا إلا أنَّهُ أَخطَأَ إلا أَنْ يَكُونَ عِنْدَكَ مُسْتَحِقًّا لِلتُّهْمَةِ فلا تَعْبَأْ بشيء مِنْ أَمْرِهِ عَلَى كُلِّ حَالٍ. ولا قُوَّةَ إلا باللهِ.

نجا نبي الله موسى عليه السلام من القتل عندما استمع إلى النصيحة التي ألقاها إليه رجل من أقصى المدينة، فغادر إلى مأمنه، وبدأ فصلا جديدا من حياته الرسالية، كما جاء في سورة القصص:

﴿وَجَاءَ رَجُلٌ مِّنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يَسْعَى قَالَ يَا مُوسَى إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنَ النَّاصِحِينَ (20) فَخَرَجَ مِنْهَا خَائِفًا يَتَرَقَّبُ قَالَ رَبِّ نَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (21).

وترك نبي الله صالح عليه السلام قومه الذين لا يحبون الناصحين يواجهون مصيرهم وعذاب الرجفة بعد أن أدى واجبه بالبلاغ المبين والنصح الأمين: ﴿فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُواْ فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ (78) فَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقَالَ يَا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالَةَ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ وَلَكِن لاَّ تُحِبُّونَ النَّاصِحِينَ (79) سورة الأعراف.

الناصح إذن يبذل النصيحة التي قد تصادف أذنا صاغية وقلبا موسويا متطلعا إلى نبلها بكل نبل وتقدير، يسعى في تطبيق مرادها والاستضاءة بنورها. وقد تصطدم بآذان صماء وقلوب في أكنة عمياء، لا تستفيد منها شيئا، ولا تزيدها النصيحة إلا غواية وعمى.

فكي يؤدي النصح دوره، لا بد من وجود فاعل محقق لشروط الفاعلية وقابل متوفرة فيه شرائط القابلية. وهذا ما أشار إليه القرآن الكريم بقوله تعالى على لسان نبي الله نوح عليه السلام:﴿وَلاَ يَنفَعُكُمْ نُصْحِي إِنْ أَرَدتُّ أَنْ أَنصَحَ لَكُمْ إِن كَانَ اللَّهُ يُرِيدُ أَن يُغْوِيَكُمْ هُوَ رَبُّكُمْ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (34) سورة هود.

يقول الشيخ المراغي في تفسيره لهذه الآية: أي إن نصحي لكم لا ينفعكم بمجرد إرادتي له فيما أدعوكم إليه، بل يتوقف نفعه على إرادة اللّه تعالى له، وقد مضت سنته كما دلت عليه التجارب أن النصح إنما يقبله المستعد للرشاد، ويرفضه من غلب عليه الغي والفساد، باجتراحه أسبابه من غرور بغنى وجاه، أو باتباع هوى و حب شهوات، تمنع من طاعة اللّه تعالى.

وفي هذا المقطع الشريف من رسالة الحقوق، يبين الإمام حق الناصح مركزا على تهيئة الأرضية القابلة للانفتاح على النصيحة انفتاحا تظهر آثاره في لغة الجسد تواضعا ولين جانب، وفي الإصغاء الداخلي والخارجي، لسماع النصيحة وفهمها واستيعابها، ثم النظر فيها وتقييمها. فإن كانت صوابا أخذت بها مع حمد الله على التوفيق وعرفان المعروف لصاحب النصيحة.

وإن لم تكن صائبة، حيث الخطأ وارد على كل حال، أعذرته ولم توجه إليه اتهاما بضعف الرأي أو التقصير أو غيره، ما دمت متيقنا أنه لم يألُ جهدا في الأمر، ولكن لم يحالفه التوفيق.

أما إذا لم يكن عندك مطابقا لمواصفات الناصح، فلا تكترث لنصيحته، ولا تهتم بشأنه.

مما يؤسف له في موضوع النصيحة أنها أصبحت ثقيلة على الناس، حتى صار الكثير يتجنبون تقديمها خشية اصطدامهم برافضيها. وهنا لا بد بتذكير أنفسنا بالروايات التي تؤكد على أهمية الإقبال على النصيحة والناصح وضرورة تعويد النفس على ذلك.

عن الإمام علي : ليكن أحب الناس إليك المشفق الناصح.

وعنه أيضا: من أعرض عن نصيحة الناصح أحرق بمكيدة الكاشح.

وعن الإمام الباقر : اتبع من يُبكيك وهو لك ناصح، ولا تتبع من يُضحكك وهو لك غاش.

وفقنا الله جميعا لقبول النصيحة الحسنة وتقدير الناصحين.

شاعر وأديب