حق من سرك

 

 

 


وَأمّا حَقُّ مَنْ سَرَّكَ اللهُ بهِ وَعلَى يَدَيهِ، فَإنْ كَانَ تَعَمَّدَهَا لَكَ حَمِدْتَ اللهَ أَوّلاً ثُمَّ شَكَرْتَهُ عَلَى ذلِكَ بقَدْرِهِ فِي مَوْضِعِ الجَزَاءِ وَكَافَأتَهُ عَلَى فَضْلِ الابْتِدَاءِ وَأَرْصَدْتَ لَهُ الْمُكَافَأَةَ، وَإنْ لَمْ يَكُنْ تَعَمَّدَهَا حَمِدْتَ اللهَ وَشَكَرتَهُ وعَلِمْتَ أنَّهُ مِنْهُ، تَوَحَّدَكَ بهَا وأَحْبَبتَ هذا إذ كَانَ سَبَباً مِنْ أَسْبَاب نِعَمِ اللهِ عَلَيْكَ وَترْجُو لَهُ بَعْدَ ذلِكَ خَيرًا، فإنَّ أَسْبَابَ النِّعَمِ بَرَكَةٌ حَيثُ مَا كَانتْ وَإنْ كَانَ لَمْ يَتَعَمَّدَ. ولا قُوَّةَ إلا باللهِ.


من الممارسات الجميلة التي نتلقاها من الآخرين هي تلك التي تحاول أن تدخل إلى قلوبنا البهجة والسرور، وأن تشيع في نفوسنا التفاؤل والأمل. فهي جرعات مضادة لأمراض العصر التي تقتل الإنسان بصمت، وتحيله كائنا غير فاعل كريشة في مهب الريح، مستسلما لمصيره الذي يسوقه إليه القلق والاكتئاب وأخواتهما من رضاعة العولمة.

أي منا لا يحب الوجه البشوش الذي يوزع البسمة المعدِية أنى كان؟ وأي منا لا يَهَش لأصحاب النفوس الخيرة التي دأبها صناعة الخير، تفعل الخير، وتأمر بالخير؛ بصدقة أو معروف أو إصلاح بين الناس؟

مجتمعنا – ولله الحمد – يحفل بالكثير من هؤلاء الذين ينبغي على المجتمع الالتفات لهم وتقديرهم ومكافأتهم على صنائعهم.

ولعل أقرب الأمثلة على ذلك العاملون في المجالات التطوعية المختلفة، والذين يصرفون الوقت والجهد والمال خدمة للمجتمع ومساهمة في تنميته وإدخالا للسرور على قلوب أبنائه وبناته.
لذا فإن الإمام عليه السلام في هذا المقطع يذكرنا بحق هؤلاء على كل واحد منا مقسما لهم إلى صنفين:
الأول: من أدخل السرور عليك متعمدا ذلك قاصدا له.

الثاني: من أدخل السرور عليك دون قصد منه إلى ذلك، وإنما حصل ذلك بشكل عرَضي، مثال ذلك: أن يضع المدرس سؤالا في الامتحان كنت قد ذاكرت إجابته جيدا. إذ ربما هو لم يقصد أن يسرك بهذا السؤال، ولكن السرور حصل لأن الأمر وجد موافقة عندك.

والأمثلة على ذلك أكثر من أن تحصى.

حق الأول - بعد حمد الله تعالى باعتباره مصدر الخير كله - هو تقديم الشكر له شكرا يليق بالسرور الذي أدخله عليك، ومن ثم مكافأته على ذلك، والعزم على رد جميله بمثله.

أما الثاني فلأنه لم يتعمد بفعله إدخال السرور، فحقه - بعد حمد الله تعالى وشكره على النعمة التي اختصك بها، وأجراها على يدي أحد من خلقه - أن ترجو الخير له كونه سببا في وصول النعمة الربانية إليك.

إن الحديث عن ثواب إدخال السرور على الآخرين طويل عريض، ويكفينا في المقام أن نتذكر ثواب أولئك النفر الذين أدخلوا السرور على المسكين واليتيم والأسير، فنزلت فيهم سورة تتلى إلى يوم القيامة، تبشرهم بعظيم الأجر وسرور الآخرة:
فَوَقَاهُمُ اللَّهُ شَرَّ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُورًا (11) سورة الإنسان.

أما الروايات في المقام فهي محفزات عظيمة تحض على هذا الفعل الجميل : قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ: إِنَّ لِلَّهِ تَبَارَكَ وَ تَعَالَى عِبَاداً تَسْتَرِيحُ النَّاسُ إِلَيْهِمْ فِي حَوَائِجِهِمْ، وَ إِدْخَالِ‏ السُّرُورِ عَلَيْهِمْ، أُولَئِكَ آمِنُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ.

وَ قَالَ الإمام السجاد في رواية عالية المضامين‏: مَنْ قَضَى لِأَخِيهِ الْمُؤْمِنِ حَاجَةً فَبِحَاجَةِ اللَّهِ بَدَأَ وَقَضَى اللَّهُ لَهُ بِهَا مِائَةَ حَاجَةٍ فِي إِحْدَاهُنَّ الْجَنَّةُ، وَمَنْ نَفَّسَ عَنْ مُؤْمِنٍ كُرْبَةً نَفَّسَ اللَّهُ عَنْهُ كُرَبَ الْقِيَامَةِ بَالِغاً مَا بَلَغَتْ، وَمَنْ أَعَانَهُ عَلَى ظَالِمٍ لَهُ أَعَانَهُ اللَّهُ عَلَى إِجَازَةِ الصِّرَاطِ عِنْدَ دَحْضِ الْأَقْدَامِ، وَمَنْ سَعَى لَهُ فِي حَاجَتِهِ حَتَّى قَضَاهَا لَهُ فَيُسَرَّ بِقَضَائِهَا كَانَ إِدْخَالَ‏ السُّرُورِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ ص، وَمَنْ سَقَاهُ مِنْ ظَمَإٍ سَقَاهُ اللَّهُ مِنَ الرَّحِيقِ الْمَخْتُومِ، وَمَنْ أَطْعَمَهُ مِنْ جُوعٍ أَطْعَمَهُ اللَّهُ مِنْ ثِمَارِ الْجَنَّةِ، وَمَنْ نَفَّسَ عَنْ مُؤْمِنٍ كُرْبَةً نَفَّسَ اللَّهُ عَنْهُ كُرَبَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ بَالِغاً مَا بَلَغَتْ، وَمَنْ كَسَاهُ مِنْ عُرْيٍ كَسَاهُ اللَّهُ مِنْ إِسْتَبْرَقٍ وَحَرِيرٍ، وَمَنْ كَسَاهُ مِنْ غَيْرِ عُرْيٍ لَمْ يَزَلْ فِي ضَمَانِ اللَّهِ مَا دَامَ عَلَى الْمَكْسُوِّ مِنَ الثَّوْبِ سِلْكٌ، وَمَنْ أَخْدَمَ أَخَاهُ الْمُؤْمِنَ أَخْدَمَهُ اللَّهُ مِنَ الْوِلْدَانِ وَأَسْكَنَهُ مَعَ أَوْلِيَائِهِ، وَمَنْ حَمَلَهُ عَلَى رَحْلِهِ بَعَثَهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى نَاقَةٍ مِنْ نُوقِ الْجَنَّةِ يُبَاهِي بِهِ الْمَلَائِكَةَ، وَمَنْ كَفَّنَهُ عِنْدَ مَوْتِهِ فَكَأَنَّمَا كَسَاهُ مِنْ يَوْمَ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ إِلَى يَوْمِ يَمُوتُ، وَمَنْ زَوَّجَهُ زَوْجَةً يَأْنَسُ بِهَا وَ يَسْكُنُ إِلَيْهَا آنَسَهُ اللَّهُ فِي قَبْرِهِ بِصُورَةِ أَحَبِّ أَهْلِهِ إِلَيْهِ، وَمَنْ عَادَهُ فِي مَرَضِهِ حَفَّتْهُ الْمَلَائِكَةُ يَدْعُو لَهُ حَتَّى يَنْصَرِفَ وَيَقُولُ طِبْتَ وَ طَابَتْ لَكَ الْجَنَّةُ. وَاللَّهِ لَقَضَاءُ حَاجَةِ مُؤْمِنٍ أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ مِنْ صِيَامِ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ وَاعْتِكَافِهِمَا فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَام‏.

شاعر وأديب