حق أهل ملتك

 

 

 

" وَأمّا حَقُّ أَهْلِ مِلَّتِكَ عَامَّةً فَإضْمَارُ السَّلامَةِ وَنشْرِ جَنَاحِ الرَّحْمَةِ وَالرِّفْقِ بمُسِيئِهـِمْ وَتأَلُّفُهُمْ وَاسْتِصْلاحُهُمْ وَشُكْرُ مُحْسِنِهِمْ إلَى نفْسِهِ وَإلَيْكَ، فَإنَّ إحْسَانهُ إلَى نفْسِهِ إحْسَانهُ إلَيكَ إذا كَفَّ عَنْكَ أَذاهُ وَكَفَاكَ مَئونتَهُ وَحَبَسَ عَنكَ نفْسَهُ فَعُمهمْ جَمِيعًا بدَعْوَتِكَ وَانصُرْهُمْ جَمِيعـاً بنُصْرَتِكَ وَأَنزَلتَهُمْ جَمِيعاً مِنْكَ مَنَازِلَهُمْ، كَبيرَهُمْ بمَنْزِلَةِ الْوَالِدِ وَصَغِيرَهُمْ بمَنْزِلَةِ الْوَلَدِ وَأَوْسَطَهُمْ بمَنْزِلَةِ الأَخِ. فَمَـنْ أَتاكَ تَعَاهَدْتَه بلُطْفٍ وَرَحْمَةٍ. وَصِلْ أَخَاكَ بمَا يَجِبُ لِلأَخِ عَلَى أَخِيهِ."

ما أحوج الأمة الإسلامية اليوم لمراجعة هذا النص ومذاكرته يوميا بعد أن فقدت البوصلة وأصبح الاحتراب الداخلي والفتنة الطائفية والظلم والتمييز والقتل على الهوية ظاهرة متفشية مستشرية. لم يعد للمسلم على المسلم من حق، وصار التكفير والتفسيق والتبديع الطريق الأسهل للتصفية المعنوية والجسدية.

هنا يتحدث الإمام عليه السلام عن حق المسلم على المسلم، مبينا أن أول حقوقه يتعلق بالنية السليمة الخيرة التي تريد السلامة لعموم المسلمين، والتي تكون باعثا على فعل الخير وإتيانه، والتي تُضمِر الحب لكل مسلم شهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله. هذا ما أوجزه الإمام في قوله (إضمار السلامة)، تلك العبارة ذات الدلالات المكتنزة.

ويبين أهمية النية ما ورد عن الإمام الصادق بقوله: صاحب‏ النّيّة الصّادقة، صاحب القلب السّليم.

ولأن النية وحدها لا تكفي، بل لا بد من شفعها بأفعال خارجية تظهرها على أرض الواقع، فإن الإمام يضع العناوين العريضة لتلك الأفعال ليبحث المرء عن مصاديقها التطبيقية. تتمثل العناوين في الرحمة بهم جميعا، ومعاملة مسيئهم بالرفق ولين الجانب، وتأليف القلوب، واستصلاح الفاسد من أمورهم، وشكر المحسن منهم حتى لو كان محسنا لنفسه فقطـ، لأنك تكسب من هذا الإحسان أيضا، والدعاء والنصرة لهم جميعا، واعتبار كبيرهم والدا وصغيرهم ولدا وأوسطهم أخا، والتواصل معهم كما يصل الأخ أخاه.

إن هذا المنهج لو تم تطبيقه في المجتمعات الإسلامية لانقلب حالها إلى أحسن حال، ولأصبحت بالفعل في مقدمة المجتمعات الراقية التي يسودها التعاون والتكاتف، وتنشغل بقضايا التنمية والتطوير، وليس بالمعارك الهامشية والصراعات الجانبية.

يقول الإمام الصادق : الْمُسْلِمُ‏ أَخُو الْمُسْلِمِ‏ هُوَ عَيْنُهُ وَ مِرْآتُهُ وَ دَلِيلُهُ لَا يَخُونُهُ وَ لَا يَخْدَعُهُ وَ لَا يَظْلِمُهُ وَ لَا يَكْذِبُهُ وَ لَا يَغْتَابُهُ.
وعندما سأله تلميذه معلى بن خنيس: ما حق المسلم على المسلم؟ قَالَ: لَهُ سَبْعُ حُقُوقٍ وَاجِبَاتٍ مَا مِنْهُنَّ حَقٌّ إِلَّا وَ هُوَ عَلَيْهِ وَاجِبٌ إِنْ ضَيَّعَ مِنْهَا شَيْئاً خَرَجَ مِنْ وِلَايَةِ اللَّهِ وَ طَاعَتِهِ وَ لَمْ يَكُنْ لِلَّهِ فِيهِ مِنْ نَصِيبٍ قُلْتُ لَهُ جُعِلْتُ فِدَاكَ وَ مَا هِيَ قَالَ يَا مُعَلَّى إِنِّي عَلَيْكَ شَفِيقٌ أَخَافُ أَنْ تُضَيِّعَ وَ لَا تَحْفَظَ وَ تَعْلَمَ وَ لَا تَعْمَلَ قَالَ قُلْتُ لَهُ‏ لا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ‏ قَالَ أَيْسَرُ حَقٍّ مِنْهَا أَنْ تُحِبَّ لَهُ مَا تُحِبُّ لِنَفْسِكَ وَ تَكْرَهَ لَهُ مَا تَكْرَهُ لِنَفْسِكَ وَ الْحَقُّ الثَّانِي أَنْ تَجْتَنِبَ سَخَطَهُ وَ تَتَّبِعَ مَرْضَاتَهُ وَ تُطِيعَ أَمْرَهُ وَ الْحَقُّ الثَّالِثُ أَنْ تُعِينَهُ بِنَفْسِكَ وَ مَالِكَ وَ لِسَانِكَ وَ يَدِكَ وَ رِجْلِكَ وَ الْحَقُّ الرَّابِعُ أَنْ تَكُونَ عَيْنَهُ وَ دَلِيلَهُ وَ مِرْآتَهُ وَ الْحَقُّ الْخَامِسُ أَنْ لَا تَشْبَعَ وَ يَجُوعُ وَ لَا تَرْوَى وَ يَظْمَأُ وَ لَا تَلْبَسَ وَ يَعْرَى وَ الْحَقُّ السَّادِسُ أَنْ يَكُونَ لَكَ خَادِمٌ وَ لَيْسَ لِأَخِيكَ خَادِمٌ فَوَاجِبٌ أَنْ تَبْعَثَ خَادِمَكَ فَيَغْسِلَ ثِيَابَهُ وَ يَصْنَعَ طَعَامَهُ وَ يَمْهَدَ فِرَاشَهُ وَ الْحَقُّ السَّابِعُ أَنْ تُبِرَّ قَسَمَهُ وَ تُجِيبَ دَعْوَتَهُ وَ تَعُودَ مَرِيضَهُ وَ تَشْهَدَ جَنَازَتَهُ وَ إِذَا عَلِمْتَ أَنَّ لَهُ حَاجَةً تُبَادِرُهُ إِلَى قَضَائِهَا وَ لَا تُلْجِئُهُ أَنْ يَسْأَلَكَهَا وَ لَكِنْ تُبَادِرُهُ مُبَادَرَةً فَإِذَا فَعَلْتَ ذَلِكَ وَصَلْتَ وَلَايَتَكَ بِوَلَايَتِهِ وَ وَلَايَتَهُ بِوَلَايَتِكَ.

تُرى أين نحن من هذه الحقوق العظيمة المضيعة؟ ولماذا تسود بين المسلمين لغة الكراهية والتحريض، وتكاد تتوارى لغة الحب والوحدة والانسجام؟

لنتأمل أخيرا في قول الإمام الصادق : لَوْ قَالَ الرَّجُلُ‏ لِأَخِيهِ‏ أُفٍ‏ لَكَ انْقَطَعَ مَا بَيْنَهُمَا. قَالَ: فَإِذَا قَالَ لَهُ أَنْتَ عَدُوِّي فَقَدْ كَفَرَ أَحَدُهُمَا، فَإِنِ اتَّهَمَهُ انْمَاثَ الْإِيمَانُ فِي قَلْبِهِ كَمَا يَنْمَاثُ الْمِلْحُ فِي الْمَاءِ.

شاعر وأديب