لا مواطنة بدون مساواة
عندما ينتمي فرد ما لمؤسسة معينة، فإنه يكتسب بذلك حقوقا ومزايا، وفي المقابل تنشأ في حقه واجبات محددة ينبغي عليه الالتزام بها. أما حين ينتمي لوطن فيصبح مواطنا فإنه يحصل على ما يعرف بالمواطنة التي تعني العضوية الكاملة والمتساوية مع بقية المواطنين في الحقوق والواجبات.
فالمساواة هي الركيزة الأولى التي تقوم عليها المواطنة في الدولة الحديثة، أما الركيزة الثانية فهي الحرية. وهذا ما تركز عليه دساتير الدول التي تقوم على إعمال مبدأ المواطنة الحقوقية الذي يمنح للمواطن أي مواطن حقوقا سياسية واجتماعية واقتصادية متساوية مثله مثل أي عضو آخر مشارك له في صفة المواطنية.
في وثيقة قيم المواطنة والاندماج التي أصدرتها وزارة الداخلية الإيطالية باللغة العربية نلحظ تركيزا على مسألة المساواة نظرا لأهميتها القصوى. نقرأ في تلك التالي:
إيطاليا ملتزمة بأن يستطيع كل شخص، ومنذ اللحظة الأولى لتواجده على التراب الإيطالي، أن يتمتع بجميع الحقوق الأساسية، من دون تمييز بسبب الجنس أو العرق أو الدين أو الوضع الاجتماعي، وفي الوقت نفسه، على كل شخص يعيش في إيطاليا أن يحترم القيم التي يقوم عليها المجتمع، وحقوق الآخرين، وواجبات التضامن، التي تفرضها القوانين...
التشريع الإيطالي بتوفيره التكافؤ في الحقوق والواجبات للجميع، فإنه يقدم دعمه لكل من يعاني من التمييز، أو يعيش في حالة عَوَز، خاصة بالنسبة للنساء والقُصر، مزيحا العقبات التي تحول دون النمو الكامل للشخص.
المساواة المطلوبة ليست أمرا مثاليا أو طوباويا، بل هي نصوص مكتوبة وممارسات خارجية على أرض الواقع تعزز النصوص. المساواة تعني سيادة القانون وأن الجميع سواسية أمامه، وتعني أن كل مواطن له نفس الفرصة في الوصول إلى الوظائف العامة، وتعني أن له حصة مساوية لغيره في ثروات الوطن، وتعني أن عليه نفس الواجبات التي تقع على عاتق المواطنين الآخرين من دفاع عن الوطن أو دفع للضرائب أو غيرها.
من هنا فإن كل ما يخالف المساواة يتسبب في مواطنة ناقصة أو منتقصة. فحين يفلت القوي من تطبيق القانون بحقه أو يتم تكييفه وتفصيله وفقا لمقاسات القوي، فعلى المواطنة السلام.
وحين يُحرم بعض المواطنين من الوصول إلى بعض الوظائف العامة بسبب هويتهم الفرعية المختلفة عن الهوية السائدة وانتمائهم العرقي أو الديني أو المذهبي أو المناطقي أو العشائري أو غيرها فلا نستطيع أن نتحدث عن مواطنة كاملة.
وحينما تحظى بعض مناطق الوطن بخدمات تعليمية وصحية وغيرها من الدرجة الأولى، وتفتقر أخرى إلى أبسط الخدمات فهذا يكشف عن خلل في بنية المواطنة.
لذا فإن الخطوة الأولى لقيام مواطنة حقيقية في أي مجتمع تبدأ بالمساواة بين أفراده في الحقوق والواجبات، حتى يشعر كل واحد بأن عضويته مساوية لغيره، وأنه مؤهل للحصول على نفس المزايا والخدمات، وأن المجال مفتوح أمام كفاءته للوصول إلى المناصب العامة.
بدون ذلك سيصبح الحديث عن المواطنة والوطنية مجرد كلمات ليس لها من الواقع نصيب.