الشعب أين؟

 

 

 

في حادثة المنصة المشهورة التي تم فيها اغتيال الرئيس المصري الأسبق أنور السادات في أكتوبر 1981 ، كان أحد مرافقي الرئيس يصرخ باللهجة المصرية: (الريس فين؟)، لأنه لم يشاهد الرئيس الذي كان ملقى على الأرض قبل أن يلفظ أنفاسه الأخيرة. اليوم في يونيو 2012 يحق لنا أن نصرخ باللهجة المصرية أيضا: الشعب فين؟.

كان المحرك الرئيس لثورات الربيع العربي ولا يزال هو محاولة الشعوب استعادة دورها الطبيعي في إدارة بلدانها وثرواتها باعتبارها مصدر السلطات كما هو الحال في جميع دول العالم المتقدمة اليوم. ومن هنا كانت الصرخة الأعلى المدوية في الشارع العربي تبدأ بعبارة: الشعب يريد....، ولذا فقد جرت محاولات حثيثة ولا تزال للالتفاف على هذه الإرادة.

في مصر مثلا ومنذ الإطاحة بالرئيس المصري حسني مبارك وتولي المجلس العسكري السلطة والمحاولات تجري على قدم وساق لحرف الثورة عن مسارها وإعادة إنتاج النظام القديم، والأحداث الأخيرة كلها تشير إلى ذلك، خصوصا بعد حل مجلس الشعب المنتخب وبعد الإعلان الدستوري المكمل الذي احتكر بموجبه المجلس العسكري السلطات التنفيذية والتشريعية وأصبح أعلى من المحكمة الدستورية، بحيث يتحول الرئيس القادم المنتخب إلى مجرد رئيس مسلوب الصلاحيات أو سكرتير للمجلس العسكري كما قال حسن البرنس أحد قادة الإخوان المسلمين.

لقد تم تفريغ الثورة من مضمونها بتغييب إرادة الشعب أو تهميشها بحيث تصبح بلا أثر يذكر حتى عند ممارستها فعليا.

ليست مصر هي الوحيدة بالطبع، فاليمن انتهت ثورتها بعزل الرئيس ومنحه ومن عمل معه في جميع أجهزة ومؤسسات الدولة المدنية والعسكرية والأمنية حصانة من الملاحقة القانونية والقضائية. هل هذا ما كان يريده الثوار؟

 إن نجاح أي ثورة من ثورات الربيع العربي سيكون مرهونا بمقدار ما يحققه الشعب من مشاركة فاعلة معبرة عن كونه بالفعل مصدر السلطات. هذه الفكرة التي حسم أمرها الغرب مبكرا منذ أواخر القرن الثامن عشر وولادة نظرية العقد الاجتماعي في شكلها المتطور على يد الفرنسي جان جاك روسو (1712-1778)  بعد أن تجاوزت نظرية الإنجليزي توماس هوبز (  1588-1679) القائمة على السلطة المطلقة للحاكم، ونظرية جون لوك (1632-1704) القائمة على السلطة المقيدة للحاكم.

جان جاك روسو أعاد صياغة نظرية العقد الاجتماعي لتأخذ منحى آخر تكون السيادة فيه للشعب وليس للحاكم الفرد سواء كان ذا سلطة مطلقة أو مقيدة، مما وفر الأرضية المناسبة للانتقال للديمقراطية في الغرب، وكان بالتالي للفلسفة دورها الكبير في صنع حضارته.

أقول: هذه الفكرة حضرت بقوة في الثورات العربية، وهي التي يمكن أن تشكل بداية النقلة لعالم جديد يعيد ترتيب الأوراق لصالح الشعوب، وهي الفكرة التي يراد وأدها في المهد في معركة خاسرة مع منطق التاريخ الذي يسير نحو مزيد من الحقوق والحريات.

إن المسافة التي تفصلنا عن الغرب – في حال تحققت للأمة سيادتها وولايتها على شؤونها - هي المسافة الفاصلة بين القرن الثامن عشر والقرن الحادي والعشرين، لأننا سنكون في بداية المشوار الذي ساروا فيه طويلا. كما إن كل لحظة تمر دون إنجاز ديمقراطي حقيقي تعني اتساع المسافة بما يجعل اللحاق بقطار الغرب مستحيلا أو شبه مستحيل، خصوصا إذا علمنا أن الأمر أشبه ما يكون بمضمار سباق أحد متسابقيه شاب في قمة لياقته، والآخر كهل مثقل بالقيود وسنين الضياع.

وهذا ما يحتم على الأمة أن تتمتع بالوعي السياسي المطلوب في هذه المرحلة المصيرية من تاريخها، وأن تركز على مطلبها المشروع في ولايتها على ذاتها، حتى تبدأ بالفعل وقبل فوات الأوان المسيرة نحو دولة العقد الاجتماعي الحديثة.

شاعر وأديب