موسى يدخل المدينة

 

 

 

﴿وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوى آتَيْناهُ حُكْماً وَعِلْماً وَكَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (14) وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ عَلى حِينِ غَفْلَةٍ مِنْ أَهْلِها فَوَجَدَ فِيها رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلانِ هذا مِنْ شِيعَتِهِ وَهذا مِنْ عَدُوِّهِ فَاسْتَغاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ فَوَكَزَهُ مُوسى فَقَضى عَلَيْهِ قالَ هذا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطانِ إِنَّهُ عَدُوٌّ مُضِلٌّ مُبِينٌ (15) قالَ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي فَغَفَرَ لَهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (16) القصص.

فصل جديد من فصول قصة نبي الله موسى ، يأخذنا إلى مرحلة أخرى من حياته، حيث اشتد عوده وكملت قواه، وآتاه الله الحكم والعلم، الحكم أي القدرة على الفصل في مختلف القضايا وفهم الأمور وتعقلها تعقلا صحيحا صائبا ووضع كل شيء في موضعه ، والعلم أي المعرفة التي لا يخالطها جهل أبدا لأنها من الله تعالى.

الآية رقم (14) تضع أمامنا إطارا عاما نحكم من خلاله على ما سيأتي من قصة موسى عليه السلام وتصرفاته، فهي تعطينا المواصفات التي آتاه الله إياها بسبب إحسانه ﴿َكَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ. موسى عليه السلام كان إذن قوي البنية مكتمل العقل حكيما عالما محسنا.

المشهد الجديد الذي تنقلنا له الآية التالية رقم (15) هو لموسى عليه السلام، وقد دخل المدينة، مدينة لم تذكرها القصة، دخلها في وقت الراحة والهدوء، ربما لأنه لا يريد أن يلفت إليه الأنظار. أما لماذا دخلها ومن أين جاء، فلم توضحه الآيات. لكن ورد في تفسير ﴿نور الثقلين نقلا عن تفسير (علي بن ابراهيم) التالي:

"قال: فلم يزل موسى عند فرعون في أكرم كرامة حتى بلغ مبلغ الرجال وكان ينكر عليه ما يتكلم به موسى من التوحيد حتى هم به، فخرج موسى من عنده و دخل المدينة، فإذا رجلان يقتتلان أحدهما يقول بقول موسى، و الآخر يقول بقول فرعون، فاستغاثه الذي من شيعته فجاء موسى فوكز صاحب فرعون فقضى عليه و توارى في المدينة".

توضح لنا هذه الرواية أنه قد وقعت مشادات كلامية بين موسى وفرعون، حيث كان موسى يقول بالتوحيد الأمر الذي أنكره فرعون، فخرج من القصر هاربا من فرعون، ودخل المدينة مغتنما وقت السكون.

رأى موسى في المدينة مظهرا من مظاهر الظلم الذي كان يمارسه الأقباط على الإسرائيليين، حيث كانوا يستضعفون الإسرائيليين ويستعبدونهم حتى في أوقات الراحة.تقول بعض التفاسير بأن القبطي كان يريد إكراه الإسرائيلي على القيام بنقل الحطب إلى قصر فرعون، فأبى الإسرائيلي ذلك وحصل بينهما الشجار والعراك.

ولما رأى الإسرائيلي موسى طلب نجدته مستغيثا به. وهذا يظهر أنه كان معروفا لدى الإسرائيليين بالإحسان وإعانة المظلومين. هنا تدخل موسى عليه السلام استجابة ونصرة لنداء المظلوم قاصدا تخليصه من الظالم، فدفع القبطي بجُمع كفه محاولا إبعاده عن الإسرائيلي، إلا أن تلك القبضة أنهت حياة القبطي دون قصد.

اغتم موسى لذلك غما شديدا كما قال تعالى في سورة طه ﴿وَقَتَلْتَ نَفْساً فَنَجَّيْناكَ مِنَ الْغَم، إذ ما كان يريد إنهاء حياة القبطي. وقد أدان موسى الاقتتال بين القبطي والإسرائيلي واصفا إياه بأنه من عمل الشيطان. فالشيطان وأتباعه هم من يريدون أن يوقعوا بين الناس العداوة والبغضاء والتحريض ضد بعضهم البعض كي يكونوا في مأمن منهم.

إذن لم يرتكب موسى معصية، ولكنه شعر أنه أورد نفسه موردا خطيرا بقتله القبطي، فطلب من الله تخليصه من هذا الموقف. يقول صاحب الميزان في تفسير قوله تعالى: ﴿قالَ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي فَغَفَرَ لَهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ اعتراف منه عند ربه بظلمه نفسه حيث أوردها مورد الخطر و ألقاها في التهلكة، و منه يظهر أن المراد بالمغفرة المسئولة في قوله: «فَاغْفِرْ لِي هو إلغاء تبعة فعله و إنجاؤه من الغم و تخليصه من شر فرعون.

شاعر وأديب