الحب ألذ شيء

 

 


 

اللذائذ منها ما هو حسي، ومنها ما هو معنوي. اللذائذ الحسية هي تلك المرتبطة بحواس الإنسان الظاهرة، كلذة الطعام والشراب والنظر للأشياء الجميلة في الطبيعة وغيرها ولذة الاستماع للصوت الحسن. واللذات المعنوية هي المرتبطة بحواس الباطن كلذة العلم والمعرفة، ولذة العبادة والدعاء والمناجاة، ولذة ترك اللذة التي تمثل انتصار المعنوي على الحسي.

وإذا كان هرم ماسلو يتحدث عن ترقي الحاجات الإنسانية من الحاجات الفسيولوجية الأساسية كالحاجة للأكل والشرب والنوم إلى الحاجات الأعلى حتى يصل في أعلى الهرم إلى الحاجة إلى تحقيق الذات، مرورا بحاجات الأمان والحاجات الاجتماعية وحاجة تقدير الذات؛ فإن هرم اللذائذ يترقى أيضا حتى يبلغ مداه الأعلى في حب الله والحب في الله.

هذا المستوى لا يصل إليه إلا من استطاع أولا أن يُفرغ قلبه من العلائق والارتباطات التي لا تمت لله بصلة، ليصبح قلبه بعد ذلك مكانا لائقا بحب الجمال والكمال المطلق، وثانيا أن يملأ قلبه بعد ذلك بذكر الله حتى يستشعر لذة الذكر الخفي، ويكون الله أنيس وحشته، وجليس وحدته؛ كما يقول تعالى: ﴿قُلِ اللَّهُ ثُمَّ ذَرْهُمْ.

بعد أن يتربع حب الله على عرش قلب الإنسان، يكون كل حب آخر تابعا لهذا الحب. وأي حب يتناقض معه ليس له محل في القلب، لأن أصل الحب التبري عن سوى المحبوب كما تقول الرواية التالية، فلا يجتمع في قلب واحد حب الله وحب أعداء الله.

أما الحب في الله، فهو في الواقع حب لله. وهما أي حب الله والحب في الله لهما لذة في الآخرة لا تعدلها اللذائذ الحسية المذكورة في الآيات الكريمة والأحاديث الشريفة. هذا ما تقوله الرواية التالية عن الإمام جعفر الصادق عليه السلام:
الْمُحِبُّ فِي اللَّهِ مُحِبُّ اللَّهِ، وَالْمَحْبُوبُ فِي اللَّهِ حَبِيبُ اللَّهِ، لِأَنَّهُمَا لَا يَتَحَابَّانِ إِلَّا فِي اللَّهِ. قَالَ رَسُولُ اللَّهِ : الْمَرْءُ مَعَ مَنْ أَحَبَّ فَمَنْ أَحَبَّ عَبْداً فِي اللَّهِ فَإِنَّمَا أَحَبَّ اللَّهَ تَعَالَى وَلَا يُحِبُّ اللَّهَ تَعَالَى إِلَّا مَنْ أَحَبَّهُ اللَّهُ. قَالَ رَسُولُ اللَّهِ : أَفْضَلُ النَّاسِ بَعْدَ النَّبِيِّينَ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ الْمُحِبُّونَ لِلَّهِ الْمُتَحَابُّونَ فِيهِ. وَكُلُّ حُبٍ مَعْلُولٍ يُورِثُ فِيهِ عَدَاوَةً إِلَّا هَذَيْنِ وَهُمَا مِنْ عَيْنٍ وَاحِدَةٍ يَزِيدَانِ أَبَداً وَلَا يَنْقُصَانِ أَبَداً.
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى- الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ - لِأَنَّ أَصْلَ الْحُبِّ التَّبَرِّي عَنْ سِوَى الْمَحْبُوبِ. وَقَالَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ : إِنَّ أَطْيَبَ شَيْءٍ فِي الْجَنَّةِ وَأَلَذَّهُ حُبُّ اللَّهِ وَالْحُبُّ فِي اللَّهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ؛ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ- وَآخِرُ دَعْواهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ - وَذَلِكَ أَنَّهُمْ إِذَا عَايَنُوا مَا فِي الْجَنَّةِ مِنَ النَّعِيمِ هَاجَتِ الْمَحَبَّةُ فِي قُلُوبِهِمْ فَيُنَادُونَ عِنْدَ ذَلِكَ: وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِين.

دمتم بحب.. جمعة مباركة.. أحبكم جميعا..

شاعر وأديب