الإصابة بالسكتة الحوارية
يعرف الأطباء السكتة الدماغية بأنها خلل مفاجئ في تدفق الدم إلى جزء من الدماغ يساهم بدوره في إحداث خلل في مهام الجسد التي يقوم بها ذلك الجزء من الدماغ ويسيطر عليها. لكن ذلك الخلل المفاجئ، وتحديداً تلك الإعاقة في الدورة الدموية، تستغرق سنوات قبل أن تحصل ويمكن أن تكون نتيجة انسداد أوعية دموية في الدماغ أو على الأقل حصول تخثر للدم فيها أو تحصل نتيجة تراكم ترسبات من الدهن والكوليسترول.
ولن أزيد على هذا التعريف لأنه ليس من اختصاصي، وإنما اقتبسته من غوغل حين سألته أدام الله بقاءه فأجابني بعد أن ارتد إلي طرفي، ولم يكن هو السبب في هذا التأخير البسيط طبعا، وإنما مزودو خدمة الانترنت الذين لا نستطيع أن نحاسبهم أبدا على تعثر الخدمة أو بطئها. هذا الأمر لا يحصل بالطبع في بلاد الإفرنج حيث الحقوق محددة والعقود محترمة. على العموم أعتقد أن غوغل استطاع إحداث الكثير من التغيير، ولعل يوما يأتي نرى فيه موظفي القطاع الحكومي يسيرون معاملات الناس ببعض سرعة السيد غوغل وتصبح حينذاك عبارة «راجعنا بكرة» في خبر كان.
أعود إلى موضوع السكتة الدماغية ومنها للسكتة الحوارية. تقول الإحصائيات إن 8% فقط من المصابين المحتملين يدركون أن ما بهم هو علامات إنذار وأعراض لسكتة دماغية، وهذا يعود في الواقع لقلة الوعي الصحي.
وإذا كان الأمر كذلك بالنسبة لأمر يصيب صحة الأبدان التي غالبا ما يتم التعامل معها بصورة جدية أكثر من صحة النفوس والأرواح بدليل ما يحدث هذه الأيام من أنشطة توعوية وحملات تطعيم مكثفة للوقاية من انفلونزا الخنازير؛ أقول: إذا كان هذا حال السكتة الدماغية فكيف هو حال السكتة الحوارية؟!
السكتة الحوارية هي خلل وظيفي يصيبنا على أكثر من مستوى نتيجة تخثر دم الحوار أو انسداد مجاريه بيننا وبين الآخر مما قد يؤدي – في حالة الإهمال - إلى حالات إعاقة مزمنة أو مؤقتة أو وفاة سريرية أو...
السكتة الحوارية قد تحدث بين الزوج وزوجته حين تتعطل لغة الكلام، فينوب عنها ما يسد مسد الخبر من صمت أو صراخ أو ركلات ترجيحية أو ضربات جزائية أو حالات تسلل، دون أن يحقق أي من الزوجين هدفا حقيقيا سوى قتل الأهداف الحقيقية للزواج بالضربة القاضية ولو تحت الحزام.
والسكتة الحوارية قد تحدث داخل الأسرة الواحدة، حين لا يصغي الوالدان لأبنائهما ويريدان فقط من الأبناء حسن الاستماع والطاعة، أو حين يحسب الأبناء أن حريتهم تكمن في عدم الإنصات لآبائهم والتمرد عليهم.
وقد تحدث بين أبناء المجتمع الواحد أو الديانة الواحدة أو المذهب الواحد أو بين المختلفين مجتمعا أو ديانة أو مذهبا، ولهذه السكتة من الآثار المدمرة ما لا يدرك حقيقة إلا بالقلب المجرد وليس بالعين المجردة. وأبلغ دليل على ذلك أن يتوعد الله به كعذاب في قوله تعالى: ﴿ قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَن يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِّن فَوْقِكُمْ أَوْ مِن تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعاً وَيُذِيقَ بَعْضَكُم بَأْسَ بَعْضٍ انظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الآيَاتِ لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ ﴾ «65» سورة الأنعام.
أما لماذا يتخثر أو يتجلط دم الحوار ولماذا تنسد مجاريه خصوصا على المستوى الأخير، فهذا عائد إلى بالأساس إلى عدة أسباب، منها عدم تحول الحوار لدينا إلى قيمة فكرية مقدسة، رغم أنا نقرأ أن الله تعالى تحاور مع أبغض خلقه إليه وهو إبليس، وحاور الكفار في أقدس المقدسات وهو التوحيد، حين طلب منهم أن يأتوا ببرهان على وجود إله غير الله: ﴿ أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ ﴾ «64» سورة النمل، ومع كل ذلك، فإن من يتابع ما يسمى بالحوارات أو المناظرات في الفضائيات أو على الإنترنت، سيكتشف أنها يمكن أن تسمى أي شيء إلا الحوار، فهي لا تعدو كونها تمترسات خلف قناعات جاهزة عن الآخر مستلة في الغالب من قراءات منقوصة لا يراد لها أن تتغير.
فنحن لا نحاور الآخر لنفهمه، وإنما لنفحمه، وفرق كبير بين الاثنين، حيث لا تؤدي محاولات الإفحام إلا إلى اكتشاف المزيد من مناجم الفحم القابل للاشتعال في أي لحظة في شكل حروب غير مقدسة؛ أما محاولات الفهم فإنها تقود إلى التقارب والتعايش والتسامح.
ومن أسباب السكتة الحوارية أيضا غياب البيئة الحاضنة التي تنمي ملكة الحوار في مجتمعنا، فالبيت لا حوار فيه، والطالب المجد في المدرسة هو الذي ينصت للمدرس وللكتاب فيحفظهما عن ظهر قلب، ثم يفرغ ما قالاه على ورقة الامتحان، فيصبح أذكى الأذكياء، أما إذا حاول أن يتحاور مع المدرس فسينظر إليه على أنه طالب مشاكس عليه أن يحضر مع ولي أمره في اليوم التالي، فأين سيتعلم الحوار إذن؟!
أعتقد أن مجتمعاتنا بحاجة إلى علاج دوائي أو تدخل جراحي أو إعادة تأهيل، حسب تشخيص حالة كل منها، لتتمكن من ممارسة الحياة بشكل طبيعي، وإلا فعليها أن تتقبل النتائج الكارثية التي من بينها الوفاة لا سمح الله.