مفردات الحب

 

 

يعبر قيس بن الملوح المعروف بمجنون ليلى عن حبه لها عن طريق مفردة من المفردات المتعلقة نوع تعلق بليلى، وتلك المفردة هي دار ليلى. يقول في شعره:
أمر على الديار ديار ليلى ** أقبل ذا الجدار وذا الجدارا
وما حب الديار شغفن قلبي ** ولكن حب من سكن الديارا

وهكذا لحب مفرداته التي تكون طريقا للتعبير عن التعلق بالمحبوب. فَمَن تعلق قلبه بالله تعالى تراه يعشق المفردات التي تذكره به ويعظمها. من ذلك ما روي عن حب النبي للصلاة التي هي معراج المتقين إلى الله تعالى، حتى قال: حُبب إلي من دنياكم ثلاث: الطيب والنساء وقرة عيني الصلاة. وكان ينادي بلالا وقت الصلاة قائلا: أرِحنا بالصلاة. فهو يلتذ بالصلاة ومتعتها ويشعر بالراحة في أدائها، لأنها تصله بالمحبوب. ومن ذلك ما روي عن تعلق الإمام علي وهو إمام التوحيد والموحدين بسورة التوحيد حتى كان يداوم على قراءتها في كل صلاة. فقد ذكرت الرواية أن رسول الله بعث الإمام عليا أميرا على سرية، فلما رجعوا سألهم النبي عن حالهم مع أميرهم، "فقالوا: كل خير غير أنه قرأ بنا في كل الصلاة بقل هو الله أحد. فقال: يا علي، لم فعلت هذا؟ فقال: لحبي لقل هو الله أحد. فقال النبي ما أحببتَها حتى أحبك الله عز وجل".

ومن ذلك أيضا حبه للصوم في الوقت الصعب، لأنه يكون أبلغ تعبيرا عن الحب. يقول : حُبب إلي من دنياكم ثلاث: إطعام الضيف، وصوم الصيف، والضرب بالسيف.

أما الإمام زين العابدين فنراه في تعلقه بالصوم كمفردة من مفردات الحب الإلهي يتفاعل مع هلال شهر رمضان، ويتحدث معه قائلا: فَأَسْأَلُ اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكَ، وَخَالِقِي وَخَالِقَكَ، وَمُقَدِّرِي وَمُقَدِّرَكَ، وَمُصَوِّرِي وَمُصَوِّرَكَ: أَنْ يُصَلِّيَ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ، وَأَنْ يَجْعَلَكَ هِلَالَ بَرَكَةٍ لَا تَمْحَقُهَا الْأَيَّامُ، وَطَهَارَةٍ لَا تُدَنِّسُهَا الْآثَامُ. هِلَالَ أَمْنٍ مِنَ الْآفَاتِ، وَسَلَامَةٍ مِنَ السَّيِّئَاتِ، هِلَالَ سَعْدٍ لَا نَحْسَ ، وَ يُمْنٍ لَا نَكَدَ مَعَهُ، وَ يُسْرٍ لَا يُمَازِجُهُ عُسْرٌ، وَ خَيْرٍ لَا يَشُوبُهُ شَرٌّ، هِلَالَ أَمْنٍ وَ إِيمَانٍ وَ نِعْمَةٍ وَ إِحْسَانٍ وَ سَلَامَةٍ وَ إِسْلَامٍ.

وفي آخر شهر رمضان يودعه وداع المحب الذي لا يطيق فراق حبيبه قائلا في كلمات مؤثرة: فَنَحْنُ مُوَدِّعُوهُ وِدَاعَ مَنْ عَزَّ فِرَاقُهُ عَلَيْنَا، وَ غَمَّنَا وَ أَوْحَشَنَا انْصِرَافُهُ عَنَّا، وَ لَزِمَنَا لَهُ الذِّمَامُ الْمَحْفُوظُ، وَ الْحُرْمَةُ الْمَرْعِيَّةُ، وَ الْحَقُّ الْمَقْضِيُّ، فَنَحْنُ قَائِلُونَ: السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا شَهْرَ اللَّهِ الْأَكْبَرَ، وَ يَا عِيدَ أَوْلِيَائِهِ. السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا أَكْرَمَ مَصْحُوبٍ مِنَ الْأَوْقَاتِ، وَ يَا خَيْرَ شَهْرٍ فِي الْأَيَّامِ وَ السَّاعَاتِ. السَّلَامُ عَلَيْكَ مِنْ شَهْرٍ قَرُبَتْ فِيهِ الْآمَالُ، وَ نُشِرَتْ فِيهِ الْأَعْمَالُ. السَّلَامُ عَلَيْكَ مِنْ قَرِينٍ جَلَّ قَدْرُهُ مَوْجُوداً، وَ أَفْجَعَ فَقْدُهُ مَفْقُوداً، وَ مَرْجُوٍّ آلَمَ فِرَاقُهُ.

بهذه الروح الشفيفة يستقبل المحبون شهر رمضان ويودعونه، باعتباره من مفردات الحب العظيم، الذي قال عنه الله تعالى: (وَالَّذِينَ آمَنُواْ أَشَدُّ حُبًّا لِّلَّهِ).

نسأل الله تعالى أن يرزقنا وإياكم صيام المحبين..
دمتم بحب.. جمعة مباركة.. أحبكم جميعا..

شاعر وأديب