قارون والناصحون (2 من 2 )

 

 


 

قلنا في المقال السابق ، أننا سنقوم اليوم بذكر النصائح التي قدمها القوم لقارون و هي كالتالي :

1- أولها النهي عن الفرح المعلل بقوله تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ. وهكذا كل أمر لا يحبه الله يجب الانتهاء عنه ابتغاء حب الله تعالى.

2- قد يتساءل البعض: وهل الفرح ممنوع؟ بل هل يمكن منع الفرح، وهو مجرد انفعال طبيعي يحصل لمناسبة معينة؟

والجواب على ذلك أن الفرح نوعان؛ مذموم ومحمود. المذموم هو الناشئ عن البطر والتكبر والاستطالة على الآخرين، كفرح قارون، والمحمود هو الناشئ عن إدراك نعمة الله وفضله ورحمته. فالأمر يدور مدار ذكر الله أو نسيانه. والآيات الكريمة تؤيد ذلك، كقوله تعالى:
﴿فَلَمَّا نَسُواْ مَا ذُكِّرُواْ بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُواْ بِمَا أُوتُواْ أَخَذْنَاهُم بَغْتَةً فَإِذَا هُم مُّبْلِسُونَ) الأنعام: 44
﴿ذَلِكُم بِمَا كُنتُمْ تَفْرَحُونَ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَبِمَا كُنتُمْ تَمْرَحُونَ) غافر: 75
﴿قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُواْ هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ) یونس: 58
﴿فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُواْ بِهِم مِّنْ خَلْفِهِمْ أَلاَّ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ) آل عمران: 170

3- ثاني النصائح أو المواعظ لقارون كانت: ﴿وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الآخِرَةَ، وفيها إرشاد إلى السبيل الصحيح والطريقة السليمة للتعامل مع الثروة، إذ ينبغي أن تكون وسيلة لغاية أكبر هي (الدار الآخرة).

4- الإتيان بكلمة (الدار الآخرة) بدل (الجنة) مثلا فيه تذكير بوجود دار أخرى تصغر أمامها كل دار بما فيها دار قارون، لأنها دار الحياة الحقيقية، كما قال تعالى: ﴿وَمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ لَهْوٌ وَلَعِبٌ وَإِنَّ الدَّارَ الآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ العنكبوت: 64

5- ثالث النصائح: ﴿وَلا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا. وهذا ما فسره الإمام علي بقوله: لا تنس صحتك وقوتك وفراغك وشبابك ونشاطك أن تطلب بها الآخرة. فالدنيا مزرعة الآخرة كما ورد عن النبي المصطفى .

6- رابع النصائح: ﴿وَأَحْسِن كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ. إذ ينبغي أن يقابَل الإحسان الرباني بإحسان من العبد إلى نفسه بالاقتراب من ساحة العبودية الخالصة لله تعالى، والإحسان إلى عباد الله أيضا. فالأمر كما قال الباري عز وجل: ﴿هَلْ جَزَاءُ الإِحْسَانِ إِلاَّ الإِحْسَانُ الرحمن: 60.

7- خامس النصائح الذهبية: ﴿وَلا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ. قال الراغب الأصفهاني في مفرداته: "الفساد خروج الشيء عن الاعتدال، قليلا كان الخروج عنه أو كثيرا، ويضاده الصلاح، ويستعمل ذلك في النفس والبدن والأشياء الخارجة عن الاستقامة". والنهي هنا عن مطلق الفساد في الأرض بالتكبر والتجبر والغرور والظلم والتبذير وهدر الثروة والخروج عن الجادة.

8- طلب الإنسان للفساد، حتى وإن لم يقدر عليه، يُدخله في عداد المفسدين، ولذا يجب التوقي والابتعاد عن كل ما لا يحبه الله تعالى كالفساد والمفسدين.

شاعر وأديب