العدالة للجميع

 

 

 

 

كل المسلمين يبشرون بالإمام المهدي وينتظرونه منقذا للبشرية يخلصها من عذاباتها وشقاءاتها. كل المسلمين يتفقون على أن مهمته الرئيسة تتمثل في بسط العدل في كافة أرجاء المعمورة؛ أو بتعبير الأحاديث أنه سيملأ الأرض قسطا وعدلا بعد أن ملئت ظلما وجورا؛ ومع كل هذا التبشير والانتظار، تبقى قيمة العدالة من أجلى القيم الغائبة والمغيبة من واقعنا الإسلامي على مستوى الفرد والأسرة والمجتمع والدولة.

عدالة الفرد بما تعنيه من استقامة عملية في جادة الشرع بإتيان الواجبات وترك المحرمات كبيرها وصغيرها أصبحت عملة نادرة ندرة المجالس الخالية من الغيبة والبهتان، ولا أقول ندرة الكبريت الأحمر لأن هذه المجالس أندر.

العدالة الأسرية هي الأخرى تشكو سوء الحال؛ الأقوى – رجلا كان أو امرأة – يتسلط على الأضعف ويسلبه أبسط حقوقه، الاعتساف القرقوشي – إن صح التعبير - في تطبيق القوامة وما يتعلق بها من شؤون، ممارسة العنف بأبشع أشكاله اللفظية والجسدية، منع المرأة حقها من النفقة والمعاشرة الحسنة، التفرقة في التعامل بين الأولاد خصوصا إذا لم يكونوا أشقاء، التضييق المفرط على البنت في مقابل التسامح المفرط مع الولد، وغيرها كثير.

كم من امرأة معلقة ( لا زواج ولا طلاق ) تعيش بيننا، كم من أولاد حرموا من حق التعليم ودخول المدارس لأن أباهم بكل عنجهية وغرور يرفض أن يستخرج لهم سجلا مدنيا، والسبب ربما خلافه مع أمهم، أو أن زوجته الأخرى ترفض أن يفعل ذلك. كم من فتاة منعت من الزواج لأن أباها يريد الاحتفاظ براتبها، وكم من زوج استولى على راتب زوجته ظلما وعدوانا، وكم، وكم... والقائمة تطول.

أما عن العدالة الاجتماعية فحدث ولا حرج، فقيمة الفرد في مجتمعاتنا لا تتحدد بعطائه العلمي والفكري أو الخدمي، أو بما يحسن حسب تعبير الإمام علي : قيمة كل امرئ ما يحسن. بل تتدخل الأهواء والمصالح والانتماءات بمختلف تفرعاتها في رفع شأن هذا الفرد أو الحط من شأن ذاك.ويمكنك أن تلحظ مستوى عدالتنا الاجتماعية حين توضع على محك الخصومات والخلافات البينية، حيث تنمحي الخطوط الحمراء ويصبح الآخر مستباحا بلا أية حرمة. ولأننا مجتمع (متدين) فلن تعوزنا تهيئة الأرضية التبريرية المناسبة التي تبقي ذمتنا على طهارتها ونقاوتها وتمنع عنا التلوث حتى لو كان الخرق باتساع ثقب الأوزون.

العدالة على مستوى الدول والحكومات يمكن أن تلحظها في التعيينات في الوظائف العامة وفي توزيع المشاريع والخدمات وفي تكافؤ الفرص وتساوي الحقوق لكل المواطنين. ولعل أوضاع الأقليات في العالم الإسلامي هي المؤشر الأبرز في هذا المجال، حيث لا تزال كثير من الأقليات الدينية والمذهبية والعرقية والإثنية تعاني من التهميش والتمييز لا لشيء إلا لأنها أقلية، فكفاءاتها مهما تقدمت ينتظرها سقف محدود لا تتجاوزه، ومواطنتها منتقصة أو محل شك، مما يؤثر على استثمار قدراتها ومستوى مشاركتها وإسهامها في تنمية الوطن الحقيقية.

العدالة الشاملة أو بالتعبير القرآني ( ليقوم الناس بالقسط ) هي المشروع المهدوي الذي تنتظره البشرية جمعاء، ولكن هل نستطيع نحن – بأوضاعنا الراهنة – أن نبشر به؟! إن من يظن أن الإمام المهدي عليه السلام سيحقق مشروعه من دون تعب ونصب لا يفقه سنة الحياة التي لا تتبدل ولا تتحول، ومن هنا استنكر الإمام محمد الباقر عليه السلام هذه النظرة الخاطئة قائلا: كلا، والذي نفسي بيده لو استقامت لأحد عفوا لاستقامت لرسول الله حين أدميت رباعيته وشج في وجهه"

إذن تحقيق المشروع المهدوي ينتظر أنصارا يتمتعون بعدالة عالية، يدركون حقيقة العدالة ويمارسونها ويعملون لأجلها، ويتشوقون بكل أحاسيسهم لرؤيتها متجسدة في الواقع الخارجي، فهل نحن كذلك؟!

شاعر وأديب