الشوق المقدس

 

 

 

للحب لغته الخاصة التي لا يتقن فك رموزها سوى أولئك الذين احترقوا بنار الشوق، وتجافت جنوبهم عن المضاجع مؤثرين لذة لقاء الحبيب والخلوة به على كل لذة. فالشوق العارم الباعث على التقدم حثيثا نحو الحبيب هو العلامة غير التجارية المسجلة على قلوب الوالهين المخبتين﴿الَّذِينَ إِذا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَالصَّابِرِينَ عَلى ما أَصابَهُمْ وَالْمُقِيمِي الصَّلاةِ وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ الحج:32

عن النبي أنه قال: "المعرفة رأس مالي ، والعقل أصل ديني ، والحب أثاثي ، والشوق مركبي ، وذكر الله عز وجل أنيسي." وفي رواية عن الإمام الصادق ، يصف أحوال المشتاقين، يقول فيها: "الْمُشْتَاقُ لَا يَشْتَهِي طَعَاماً، وَلَا يَلْتَذُّ شَرَاباً. وَلَا يَسْتَطِيبُ رُقَاداً، وَلَا يَأْنَسُ حَمِيماً. وَلَا يَأْوِي دَاراً، وَلَا يَسْكُنُ عُمْرَاناً، وَلَا يَلْبَسُ ثِيَاباً لَيِّنَةً، وَلَا يَقِرُّ قَرَاراً . وَيَعْبُدُ اللَّهَ لَيْلًا وَنَهَاراً ، رَاجِياً بِأَنْ يَصِلَ إِلَى مَا يَشْتَاقُ إِلَيْهِ، وَيُنَاجِيَهُ بِلِسَانِ الشَّوْقِ مُعَبِّراً عَمَّا فِي سَرِيرَتِهِ ، كَمَا أَخْبَرَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْ مُوسَى فِي مِيعَادِ رَبِّهِ ﴿وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضى " .
هكذا إذن دفع الشوق النبي موسى عليه السلام لأن يتعجل لقاء الله تعالى طمعا في رضاه. فكان أن سبق قومه لأنه لا يطيق الصبر على اللقاء المرتقب وموعد المناجاة اللذيذة مع الله تعالى.

إننا نحن المنغمسين في اللذات المادية حتى النخاع، لا يمكننا أن نستوعب أو نتصور الحالة التي كان فيها موسى عليه السلام، والتي جاء عن رسول الله قوله عنها:" إن الله عز وجل ناجى موسى بن عمران عليه السلام بمائة ألف كلمة وأربعة وعشرين ألف كلمة في ثلاثة أيام ولياليهن ، ما طعم فيها موسى ولا شرب فيها ، فلما انصرف إلى بني إسرائيل وسمع كلامهم مقتهم لما كان وقع في مسامعه من حلاوة كلام الله عز وجل."
كيف لنا أن نتخيل بقاء موسى عليه السلام ثلاثة أيام مشغولا بلذيذ المناجاة الروحية عن حاجات جسده من أكل وشرب وراحة؟ وكيف لنا أن نشعر بمذاق حلاوة كلام الله عز وجل وأسماعنا مشغولة بسماع اللغو والغيبة والبهتان وأضرابها؟

لذا يقول صاحب تفسير الأمثل: "قد يكون قول موسى عليه السّلام في جواب سؤال اللّه تعالى له حول استعجاله إلى الميقات حيث قال: ﴿وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضى عجيبا لدى من لم يعرف شأن جاذبية عشق اللّه، إلّا أن الذين أدركوا هذه الحقيقة بكلّ وجودهم، والذين إذا اقترب موعد الوصال اشتدّ لهيب العشق في أفئدتهم، يعلمون جيدا أيّة قوّة خفيّة كانت تجرّ موسى عليه السّلام إلى ميقات اللّه، وكان يسير سريعا بحيث تخلّف عنه قومه الذين كانوا معه.

لقد كان موسى عليه السّلام قد تذوق حلاوة الوصال والحبّ و المناجاة مع اللّه مرارا، فكان يعلم أنّ كلّ الدنيا لا تعدل لحظة من هذه المناجاة.

أجل ... هذا هو طريق الذين تجاوزوا مرحلة العشق المجازي نحو مرحلة العشق الحقيقي ... عشق المعبود الأزلي المقدّس والكمال المطلق، والحسن واللطف الذي لا نهاية له، وكلّ ما عند المحسنين الصالحين جميعا عنده بمفرده، بل إنّ جمال وحسن المحسنين كلّه ومضة بسيطة من إحسانه الدائم الخالد. فيا إلهنا الكبير مُن علينا بذرّة من هذا العشق المقدّس".

ونحن نقول: اللهم آمين.
جمعة مباركة.. دمتم بحب.. أحبكم جميعا..

التعقيبات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
التعليقات 1
1
غافل فاطن
1 / 9 / 2012م - 1:33 م
العاشق الحقيقي :أ.بدر الشبيب
نحن أيضاً نبادلك الحب بالحب ، ونتقاسم معك عشقك السرمدي لله وفي الله .. أنت بعطائك المتدفق في أيقونة روحنا وفكرنا تساهم دوماً في فتح نوافذنا على أشعة الشمس ، وضوء القمر .. لتعتمر نفوسنا بالحب اللامتناهي
في ذات الله ..
أنا أحبك بعمق صدق حروفك الوضاءة ..
شاعر وأديب