صوت ضد الطائفية مع المواطنة

 

 

 

 

 

كثيرا ما تستفزنا الأصوات النشاز، فنهرع للرد عليها والتصدي لنعيقها أو نهيقها حتى وإن ادعت التغريد. وهذا قد يكون مفهوما لأن تلك الأصوات المهاجمة تستنفر قوى الدفاع لدينا بشكل غريزي.
أما غير المفهوم فهو ردود أفعالنا

تجاه الأصوات العذبة التي تغرد من أجل وطن الإنسان وإنسان الوطن، والتي تشاركنا الخبز والهم، وتحلم معنا بمستقبل تخفت فيه الأصوات الموتورة، وتعلو فيه النغمات المنسابة من الحناجر الظمأى للمواطنة الحقيقية حيث المساواة بين الجميع في الحقوق والواجبات.

غالبا ما تتسم ردود أفعالنا تجاه مثل هذه الأصوات بالبرود، وتتأرجح بين اللامبالاة، والإعجاب المكتوم.

فبينما تنال الأصوات النشاز نصيب الأسد من الردود والتعليقات والنشر في مختلف الوسائل المتاحة؛ يكون مصير الأصوات العذبة الإهمال والمرور عليها مرور الكرام، وفي أحسن الأحوال الانفعال الآني بها انفعالا لا يجاوز الذات.

شتيوي الغيثي هو واحد من الأصوات الوطنية التي تحاول أن تصنع وعيا جديدا يتجاوز الحواجز البينية المصطنعة الطائفية والمناطقية والقبلية وغيرها من أجل وطن يتسع للجميع دون أن يضيق صدره بأي مكون من مكوناته.

كتب في الفترة من 1 إلى 7 سبتمبر 2012 سبعة مقالات فكرية في جريدة عكاظ تتناول الموضوع الطائفي، تحت العناوين التالية:

1- الصراع السياسي الطائفي
2- الشحن الطائفي
3- الحوار المذهبي والتعايش
4- التعايش قبل الحوار
5- التعايش أولا .. التعايش أخيرا
6- المذاهب فكر تاريخي
7- تجاوز الفكر المذهبي

سأختار هنا مقتطفات يسيرة من بعض تلك المقالات:

- المعطى السياسي كان له الدور الأكبر في تحريك الكثير من السياقات التاريخية ليس على مستوى مذهبي فقط وإنما حتى على المستوى الثقافي.

- الملاحظ أن الشعوب تسير وفق هوى السياسيين في إشعال الفتنة الطائفية كنوع من الحماس الديني الذي يمكن أن ينتهي متى انتهى السياسيون من حروبهم، وكان من الأولى أن يكون الأمر أكثر تعايشا.

ولن يحصل ذلك ما لم يتجذر مفهوم المواطنة في نفوس الناس.

- الشحن الطائفي هو شحن سياسي قبل أن يكون دينيا فالقضية في الأخير لصالح السياسي على الديني والدليل غياب التفكير الطائفي لدى السياسي واستثماره فقط في وقت الأزمات السياسية.

- ليس من السهولة أن يقتنع أبناء مذهب بمذهب آخر إنما من السهولة بمكان تجاوز التاريخ والتعايش الحياتي الطبيعي بعيدا عن إشكاليات السياسة من خلال تأصيل مفهوم المواطنة.

- الحوار من غير فكرة التعايش يبقي على حالة الصراع أكثر مما ينهيها، في حين يبقى التعايش على حالة الفكرية لكل مذهب مع تجاوز الإشكاليات، ولذلك لا بد من تلازم الحوار والتعايش.

هذه المقالات والمقولات المتميزة كان ينبغي أن تُحدثَ صدى إيجابيا لدى المهتمين بالوعي والتنوير، وأن تلقى ما يناسبها من نشر على مستوى الوطن، خصوصا في ظل الاحتقان الطائفي الذي تعيشه المنطقة بأسرها، والذي يهدد أمن الأمة وسلامة ووحدة أوطانها.

ولكن من المؤكد أنها لم تنل ما تستحقه من احتفاء، وهو ما يكشف عن خلل عميق في بنيتنا الفكرية.

بالطبع شتيوي الغيثي ليس إلا مثالا واحدا أردت من خلاله التنبيه إلى أهمية التفاعل مع الأصوات المستنيرة التي تعمل جادة ومخلصة على نبذ الطائفية، والتأسيس لخطاب المواطنة.

شاعر وأديب