حتى نكون من أحباء الله

 

 

 

 

 

أعظم الحب أن تكون محبوبا عند أعظم محبوب، ذلك الذي هو أعلم حيث يجعل محبته؛ يمنحها من يتعرض لها بالإيمان الراسخ والعمل الصالح. إذ محبته تعالى لا تُعطَى لأحد جزافا، ولا تُسلَب من أحد إلا عن استحقاق واستيجاب للسلب، والعياذ بالله.

فالله تعالى ذكر في القرآن الكريم أنه يحب المحسنين ويحب التوابين ويحب المتطهرين، كما يحب أيضا المتقين والمحسنين والصابرين والمتوكلين والمقسطين والذين يقاتلون في سبيله صفا كأنهم بنيان مرصوص. وذكر فئات لا يحبها، كالمعتدين والظالمين والكافرين والمفسدين والخائنين والفرحين (أي فرح بطر وتكبر)، و مَن كان خوانا أثيما وكل مختال فخور وكل كفار أثيم.

 وبينت الأحاديث والروايات هذا الأمر خير بيان، ونذكر هنا طائفة منها:

عن رسول الله : إِنَّ اللَّهَ‏ يُحِبُ‏ الْحَلِيمَ الْحَيِيَّ الْغَنِيَّ الْمُتَعَفِّفَ، ويُبْغِضُ الْفَاحِشَ الْبَذِيَّ السَّائِلَ الْمُلْحِفَ.

عن الإمام الباقر : : إِنَّ اللَّهَ‏ يُحِبُ‏ مِنْ عِبَادِهِ الْمُفَتَّنَ التَّوَّابَ.

وعن الإمام الصادق : إِنَّ اللَّهَ‏ يُحِبُ‏ الْمُقِرَّ التَّوَّابَ قَالَ وَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ (ص) يَتُوبُ إِلَى اللَّهِ فِي كُلِّ يَوْمٍ سَبْعِينَ مَرَّةً مِنْ غَيْرِ ذَنْبٍ. قُلْتُ: يَقُولُ أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ وَأَتُوبُ إِلَيْهِ؟ قَالَ: كَانَ يَقُولُ أَتُوبُ إِلَى اللَّهِ.

وعنه أيضا: طَلَبُ الْعِلْمِ فَرِيضَةٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ، أَلَا وَإِنَّ اللَّهَ‏ يُحِبُ‏ بُغَاةَ الْعِلْمِ.

وعنه : إِنَّ اللَّهَ‏ يُحِبُ‏ الْعَبْدَ أَنْ يَطْلُبَ إِلَيْهِ فِي الْجُرْمِ الْعَظِيمِ وَيُبْغِضُ الْعَبْدَ أَنْ يَسْتَخِفَّ بِالْجُرْمِ الْيَسِيرِ.

وعن الإمام الباقر : إِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى يُحِبُّ الْمُدَاعِبَ فِي الْجَمَاعَةِ بِلَا رَفَثٍ، الْمُتَوَحِّدَ بِالْفِكْرِ، الْمُتَخَلِّيَ بِالْعِبَرِ، السَّاهِرَ بِالصَّلَاةِ.

إذا عرفنا من خلال القرآن الكريم والسنة المطهرة من يحبه الله ومن لا يحبه، فإننا نستطيع أولا أن نحدد أين نحن من محبوبية الله تعالى، فالمسألة ليست محض ادعاء، وإلا فما أكثر المدعين: (وَقالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصارى‏ نَحْنُ أَبْناءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بَشَرٌ مِمَّنْ خَلَقَ يَغْفِرُ لِمَنْ يَشاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُما وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ) المائدة: 18.

فالطريق إلى تلك المحبوبية المنشودة يكون من خلال الدخول في زمرة المذكورين آنفا من المحسنين والمتقين والتوابين وغيرهم. والطريق إلى نقيضها – والعياذ بالله - يكون بالدخول في زمرة المعتدين والظالمين والمفسدين ممن ذكرنا. وبيد كل واحد منا أن يختار الفريق الذي يريد الانضمام إليه، ولا أظن عاقلا سيختار الفريق الثاني. ولكن على من يختار الانتماء للفريق الأول أن يستعد بالفعل الصادق والقول الحق للتأهل لشرف تلك المرتبة التي تطلع إليها وطمع فيها أولو النفوس العظيمة، وبذلوا في بلوغها الغالي والنفيس.

أخيرا ندعو بدعاء الإمام السجاد في مناجاة المحبين: يَا مَنْ أَنْوَارُ قُدْسِهِ لِأَبْصَارِ مُحِبِّيهِ رَائِقَةٌ، وَسُبُحَاتُ وَجْهِهِ لِقُلُوبِ عَارِفِيهِ شَائِقةٌ، يَا مُنَى قُلُوبِ الْمُشْتَاقِينَ وَيَا غَايَةَ آمَالِ الْمُحِبِّينَ أَسْأَلُكَ حُبَّكَ وَحُبَّ مَنْ يُحِبُّكَ وَحُبَّ كُلِّ عَمَلٍ يُوصِلُنِي إِلَى قُرْبِكَ، وَأَنْ تَجْعَلَكَ أَحَبَّ إِلَيَّ مِمَّا سِوَاكَ، وَأَنْ تَجْعَلَ حُبِّي إِيَّاكَ قَائِداً إِلَى رِضْوَانِكَ، وَشَوْقِي إِلَيْكَ ذَائِداً عَنْ عِصْيَانِك‏.

 ( دمتم بحب .. جمعة مباركة .. أحبكم جميعا )

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

شاعر وأديب