قارون والنهاية الخاطفة ( 1 من 2 )


 

 

فَخَسَفْنا بِهِ وَبِدارِهِ الْأَرْضَ فَما كانَ لَهُ مِنْ فِئَةٍ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَما كانَ مِنَ المُنْتَصِرِينَ (81) وَأَصْبَحَ الَّذِينَ تَمَنَّوْا مَكانَهُ بِالْأَمْسِ يَقُولُونَ وَيْكَأَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ وَيَقْدِرُ لَوْلا أَنْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنا لَخَسَفَ بِنا وَيْكَأَنَّهُ لا يُفْلِحُ الْكافِرُونَ (82) تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُها لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلا فَساداً وَالْعاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ (83) القصص.

 الأمور بخواتيمها.  هذا ما غاب عن قارون لأنه كان مشغولا بثروته وزينته، وغاب عن أولئك الذين استحبوا الحياة الدنيا، فمدوا أعينهم إليها فأعمتهم، كما قال الإمام علي حين وصف الدنيا:

 ﴿وَمَنْ‏ أَبْصَرَ بِهَا بَصَّرَتْهُ‏، وَمَنْ أَبْصَرَ إِلَيْهَا أَعْمَتْهُ‏. لم تكن المسافة الفاصلة طويلة بين خروج قارون على قومه في زينته في موكبه الاستعراضي الضخم، وبين خاتمته المهينة، حيث خسف الله به وبداره الأرض، فابتلعته في بطنها بعد أن كان عليها، وأصبح هو وثروته في لحظة خاطفة حديث الأمس، كأن لم يغنَ فيها أبدا. هذا ما دلت عليه فاء التعقيب في قوله تعالى: (فَخَسَفْنا).

 لقد كان هول المفاجأة شديدا على من تمنوا أن يكونوا في مثل ثرائه، ورأوا فيه شخصا ذا حظ عظيم. وأعادتهم الصدمة العنيفة إلى رشدهم وصوابهم، وجعلتهم يعيدون النظر في حساباتهم الخاطئة ليدركوا صحة ما قاله لهم حملة العلم.

وقفات:

هوان المجرمين على الله تعالى، وقدرته التي لا تُغلب في أخذهم متى يشاء، كيف يشاء.
العذاب الإلهي الدنيوي الذي أخذ الله به المجرمين لم يكن من جنس واحد، بل تنوع بحسب مقتضى حكمة الله وإطلاق قدرته. يقول تعالى: ﴿فَكُلًّا أَخَذْنا بِذَنْبِهِ فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنا عَلَيْهِ حاصِباً وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنا بِهِ الْأَرْضَ وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنا وَما كانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ العنكبوت: 40
انطوى خسف الأرض بقارون وبداره على أمر إعجازي، حيث اقتصر الخسف عليه وعلى داره، دون أن يتعداهما إلى الذين تمنوا مكانه ومقامه. وفي هذا تتجلى رحمة الله الواسعة في عين الفعل الذي هو موضع من مواضع النكال والنقمة.

عجز كافة الوسائل والقوى الدفاعية الخارجية والذاتية التي يتحصن ويعتز بها الإنسان عن منع وقوع العذاب حين حلوله. ﴿فَما كانَ لَهُ مِنْ فِئَةٍ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَما كانَ مِنَ المُنْتَصِرِينَ.

هذا لليوم ، و ما تبقى في هذا الصدد فنتركه لمقال الغد بإذن الله و عونه

شاعر وأديب