المصالحة بين الديمقراطية والدين (2)

 

 

 

"جبل كثيرون على الدندنة حول عيوب الديموقراطية، وهو نظر حسن لمن عرفها وعاشها وخبر فلسفتها، وليس لمن يسمع عنها وينشغل بتفكيك اسمها، والأجدر أن يدندنوا حول عيوب الاستبداد والسلطة المطلقة، التي هي شر وفساد.

لا بأس أن نلاحظ أن الحكم الاستبدادي يمكن أن يحل محله أيضاً حكم استبدادي، كما يقول أرسطو.

ولذا لابد من التواضع والاتفاق على صيغة تضمن العدالة والانتقال إلى وضع أفضل.

لن يكون هذا الوضع مرضياً تماماً لأي طرف بالنظر إلى أنه لن يحقق مجموع الصورة النظرية الموجودة لدى كل فصيل، ولكنه يمكن أن يكون مرضياً للجميع باعتبار أنه الحل الأمثل أو كما يقول “تشرشل” عن الديموقراطية: النظام الأقل سوءاً." (د. سلمان العودة / أسئلة الثورة)
بعد ما سمي بثورة الربيع العربي، أصبح السؤال عن الديمقراطية وعلاقتها بالدين أكثر إلحاحا، خصوصا مع تولي الإسلاميين في تونس ومصر مقاليد السلطة؛ إذ إن مسألة التنظير خارج السلطة تختلف عنها من الداخل، بل إن التنظير من خارج السياسة يكون أقل واقعية من التنظير حين الاشتغال بها.

وقد حاول الكثير من الإسلاميين قبل الربيع العربي وبعده إيجاد مصالحة بين الديمقراطية والدين، ومحاولة لتنسيج الديمقراطية فيه (أي إدخالها ضمن النسيج الديني). وانطلقت هذه المحاولات من النظر لجوهر الديمقراطية كحل للاستبداد، وأنه ليس النظام الأمثل، لكنه الأقل سوءا. فحتى في مسقط رأس الديمقراطية لا أحد يدعي كمالها، ولكنها – مع كل عيوبها – المنتج الأجود في عصرنا الراهن.

كان من ضمن المحاولات التنسيجية ما سماه الشيخ محفوظ نحناح (الشورقراطية Shuracracy)، فإذا كانت الديمقراطية منتج بشري لحل مشكلة إنسانية، فإن هذا لا يمنع المشتغلين بالفقه الإسلامي من الاستفادة من هذا المنتج لحل ذات المشكلة، مع الأخذ بعين الاعتبار عدم التعارض مع مقاصد الإسلام وثوابته. " فإذا حققت لنا الديمقراطية مبدأ الحرية والأمن والمشاركة السياسية والتداول على الكرسي فإن ذلك من صميم الاسلام".

وفي سؤال للشيخ محمد مهدي شمس الدين عن الموقف من الديمقراطية أجاب إجابة تنسيجية، قائلا: للديمقراطية بالمعنى الغربي وظيفتان، الوظيفة الأولى، أداة للتشريع، الوظيفة الثانية، أداة لتداول السلطة.

والتشريع على قسمين، تشريع للأحكام، والتشريع التنظيمي (التدابير) الذي يتعلق بالتنظيمات على مستوى التشريع، بمعنى سن الأحكام. نحن لا نرى لأية سلطة بشرية الحق في التشريع، السيادة في المجتمع والدولة عند المسلمين هي للشريعة الإسلامية، أما الجهة المختصة فهي الفقهاء. أما ما يتعلق بالجوانب التنظيمية (التجارة، الزراعة، توزيع المؤن. إلى آخره) هذه ليست أحكاما شرعية، بل هي تدابير ملزمة، فالحكومة الشرعية تدابيرها ملزمة وهي متروكة للشورى يعني للديمقراطية، يعني عن طريق ممثلين منتخبين بطريقة حرة واختيارية.

ثانيا: إنها وسيلة لتداول السلطة، إذ هناك آماد لكل سلطة من السلطات من رئاسة لدولة إلى أدنى السلطات، وهي في أمور التدابير وتداول السلطة لا تختلف عن الشورى، سمها ديمقراطية أم شورى.

ويقول في موضع آخر: فإذا شئنا أن نستخدم الديمقراطية بهذا المضمون بعد تجريده من خلفيته الفلسفية الغربية وإدماجه في المفهوم الإسلامي (ولاية الشريعة، ولاية الأمة على نفسها) فلا مانع.

في نفس السياق تقريبا حاول آخرون التوفيق بين الديمقراطية والدين، وأجابوا على الإشكالات المتعلقة بالأكثرية والمساواة والحرية، كما ناقشوا باستفاضة مسألة ولاية الأمة على نفسها، وبالتالي حريتها في اختيار النظام الذي تريد.

هذه المسائل تحتاج إلى حديث أو أحاديث مستقلة، ربما تأتي بإذن الله.

شاعر وأديب