غدير المؤاخاة

 

 


مناسبة يوم الغدير هي واحدة من المناسبات التي تحظى لدى أتباع مدرسة أهل البيت باحتفاء كبير، اقتداء بهدي أئمتهم عليهم السلام. وفي ذلك تذكير بواقعة غدير خم التي يتفق جميع المسلمين على حدوثها، ويختلفون في تفسير المراد منها.

لست هنا بصدد التعرض لمورد الاختلاف، فقد أشبع الفريقان هذا الموضوع جدلا ونقاشا وحوارا، ولا زال كل طرف متمسكا برأيه. وهذه في الواقع طبيعة السجالات العقائدية، التي ينبغي أن ندركها أيضا. ينطبق هذا على الحوار داخل الدين الواحد، بل داخل الطائفة الواحدة. في المسيحية مثلا، الكاثوليك سيبقون في الكاثوليكية، والبروتستانت في البروتستانتية. الاستثناءات قليلة نادرة، وهي تؤكد القاعدة. ليس معنى هذا أني ضد الحوار، فالحوار مطلوب على كل حال، لكني مع الحوار العلمي الذي يقرب ولا يبعد، ويجمع ولا يفرق؛ الحوار الذي يهدف إلى تغليب العقل على الهوى والعصبيات، الحوار الذي يجعل منا أمة تتناقش بالبراهين والأدلة العلمية، وليس بالشتائم وفتاوى التكفير.

كان هذا استطرادا فقط، أما ما أردت التركيز عليه في هذه المناسبة، فهو ما ورد من ضمن أعمال هذا اليوم، وسمي بعقد الأخوة. وهو عقد لم يعثر المحدث النوري صاحب مستدرك الوسائل على نصه إلا في كتاب زاد الفردوس لبعض المتأخرين كما قال. ولكنني سأركز على مضمونه الذي نحتاجه في حياتنا كثيرا، خصوصا في هذا الزمن الذي اضطربت فيه علاقاتنا الاجتماعية، وأصيبت بالكثير من الأمراض الخطيرة.

نقل المحدث النوري عن الكتاب المذكور ما يلي: وينبغي عقد الأخوة في هذا اليوم مع الإخوان ، بأن يضع يده اليمنى على يمنى أخيه المؤمن ، ويقول : واخيتك في الله ، وصافيتك في الله ، وصافحتك في الله ، وعاهدت الله ، وملائكته ، وكتبه ، ورسله ، وأنبياءه ، والأئمة المعصومين ( عليهم السلام ) ، على أني إن كنت من أهل الجنة والشفاعة ، وأُذِن لي بأن أدخل الجنة ، لا أدخلها إلا وأنت معي ، فيقول الأخ المؤمن : قبلتُ ، فيقول : أسقطتُ عنك جميع حقوق الأخوة ، ما خلا الشفاعة والدعاء والزيارة .

أقول: إننا نحتاج بالفعل إلى ترسيخ هذه المضامين في حياتنا اليومية من خلال تأكيد التآخي والتصافي والتصافح في الله تعالى، حتى لا يبقى في قلوبنا غل للذين آمنوا، وليسود المجتمع الصفاء والمحبة والوئام، بدل الفرقة والتباغض والخصام. كما نحتاج إلى التعاهد على البقاء إخوة متعاونين على البر والتقوى حتى النهاية، لنكون يوم القيامة ﴿إِخْواناً عَلى‏ سُرُرٍ مُتَقابِلِينَ.

أمر آخر مهم جدا، وهو يحتاج إلى نفوس عالية، تترفع عن الصغائر، وتسمو إلى الدرجات العلى؛ نفوس دأبها التسامح والعفو طمعا في عفو الله وصفحه ومغفرته. ﴿وَإِنْ تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ . هذا الأمر هو إسقاط الحقوق التي لنا في ذمة إخواننا المؤمنين. وهو ما أكد عليه الإمام علي بن الحسين في صحيفته السجادية، في دعائه في طلب العفو والرحمة. هذا الدعاء الذي ينبغي أن نتأمله كثيرا ونقرأه كثيرا. يقول عليه السلام في بعض فقرات الدعاء الشريف :

اللَّهُمَّ وأَيُّمَا عَبْدٍ نَالَ مِنِّي مَا حَظَرْتَ عَلَيْه ، وانْتَهَكَ مِنِّي مَا حَجَزْتَ عَلَيْه ، فَمَضَى بِظُلَامَتِي مَيِّتاً ، أَوْ حَصَلَتْ لِي قِبَلَه حَيّاً فَاغْفِرْ لَه مَا أَلَمَّ بِه مِنِّي ، واعْفُ لَه عَمَّا أَدْبَرَ بِه عَنِّي ، ولَا تَقِفْه عَلَى مَا ارْتَكَبَ فِيَّ ، ولَا تَكْشِفْه عَمَّا اكْتَسَبَ بِي ، واجْعَلْ مَا سَمَحْتُ بِه مِنَ الْعَفْوِ عَنْهُمْ ، وتَبَرَّعْتُ بِه مِنَ الصَّدَقَةِ عَلَيْهِمْ أَزْكَى صَدَقَاتِ الْمُتَصَدِّقِينَ ، وأَعْلَى صِلَاتِ الْمُتَقَرِّبِينَ. وعَوِّضْنِي مِنْ عَفْوِي عَنْهُمْ عَفْوَكَ ، ومِنْ دُعَائِي لَهُمْ رَحْمَتَكَ حَتَّى يَسْعَدَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنَّا بِفَضْلِكَ ، ويَنْجُوَ كُلٌّ مِنَّا بِمَنِّكَ .

باختصار أقول: اقرؤوا هذا الدعاء بتوجه وإخلاص، تتغير حياتكم.

التعقيبات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
التعليقات 1
1
محمد العبد العال ابو جواد التقي
[ ام الحمام ]: 5 / 11 / 2012م - 9:08 م
احسنت استاذي الحكيم
السالفة في يقين الانسان بالنبي وتعاليمه السمحة صلى الله عليه وآله
ومن ثم الاخلاص والصفاء في التعامل
شاعر وأديب