المصالحة بين الديمقراطية والدين (3)

 

 

 

من بين أبرز الإشكالات التي يطرحها معارضو الديمقراطية أن الإسلام في النصوص القرآنية الشريفة قد ذم الأكثرية ومدح الأقلية، بينما الديمقراطية هي حكم الأكثرية، مما يجعلها متناقضة مع النظرة الإسلامية لمفهوم الأكثرية والأقلية.

ويستشهدون لذلك بجملة من الآيات التي تؤكد أن أكثر الناس لا يعلمون / لا يشكرون / لا يؤمنون، والآيات التي تؤكد أن القليل من عباد الله الشكور المؤمن.

لحل هذا الإشكال نوقشت هذه المسألة نقاشا مستفيضا، وتم الرد عليها بالأدلة النقلية والعقلية. ففي كتابه (أسئلة الثورة) يقول الدكتور سلمان العودة: " كتب الدكتور أحمد رحماني كتابا سماه: (الحقيقة الجوهرية في مشكلة الأقلية والأكثرية) وخلص في بحثه الطويل إلى أن الأكثرية على مدار التاريخ البشري تقف في الجانب السلبي، وأن الأقلية  الواعية هي التي تقف في الطرف الإيجابي.

بيد أن هذا التعميم يصطدم بأن القرآن الكريم ذم (الملأ) في الكثير من الآيات، والملأ تعني: الكثرة وتعني السلطة. وفي السنة النبوية عوَّل الرسول -صلى الله عليه وسلم- على شهادة الناس للإنسان بالخير أو الشر: « أَنْتُمْ شُهَدَاءُ اللَّهِ فِى الأَرْضِ ». والإجماع هو أحد أدلة الفقه الإسلامي، وقد يكون الإجماع تقريبيَّاً بمعنى أنه رأي الغالبية ودون الإجماع رأي الجمهور أو الجماهير من العلماء، وهو غالباً أولى بالصواب وقد يعبر عنه بـ(السواد الأعظم) كما في بعض الآثار" .

ويقول السيد محمد الشيرازي في كتابه (الحكم في الإسلام): إن الله لم يذم الأكثرية مطلقا، بل ذمهم في زمان كون الأكثرية منحرفة عن سبيل الله، ولذا لم يكن الأمر كذلك فيما إذا كانت أكثرية نسبية كما في سبيل المؤمنين إذا ذهبوا إلى شيء، أو كانت أكثرية مطلقة إذا كان أهل الأرض مؤمنين.
ويذهب الفقهاء إلى" أن الأكثرية ميزان للترجيح وليس معيارا معيارا للصواب كما ذهبت الديمقراطية.

يقول الآمدي: ( الكثرة يحصل بها الترجيح). ويقول النائيني: (والأكثرية عند دوران التعارض، هي أقوى المرجحات) ".

ويعلق النائيني أيضا على موقف رسول الله في الخروج إلى أحد، قائلا: " في غزوة أحد، مع أن رأي رسول الله المبارك وجماعة من أصحابه كان عدم الخروج من المدينة المشرفة مرجحا التحصن فيها، وتبين بعد الحرب أن المصلحة والصواب كان في البقاء في المدينة ولكن رغم ذلك خرج الرسول من المدينة لكون الأكثرية أيدت ذلك.. فتحمل تلك المصائب الجليلة".

إن العقل البشري لم يستطع حتى الآن أن يبتكر وسيلة يصل بها إلى اتفاق حول الشؤون المشتركة للمجتمع خير من مبدأ الأخذ برأي الأغلبية، كما يقول الأستاذ محمد أسد في كتابه (منهاج الحكم في الإسلام).

إذن – وإلى أن يخترع المجتمع نظاما أفضل – سيبقى الأخذ برأي الأكثرية هو الأنسب، أو الأقل سوءا. ومن هنا فإن مبدأ الأكثرية لا يتناقض مع الدين في شيء.

شاعر وأديب