علامات حب الله

 

 

يتحدث الشاعر قيس بن الملوح عن حبه لليلى العامرية، وما يظهر من آثار الحب عليه وعلى سلوكه الخارجي. يقول في قصيدته:

أَعُدُّ اللَيالي لَيلَةً بَعدَ لَيلَةٍ ........ وَقَد عِشتُ دَهراً لا أَعُدُّ اللَيالِيا
وَأَخرُجُ مِن بَينِ البُيوتِ لَعَلَّني....... أُحَدِّثُ عَنكِ النَفسَ بِاللَيلِ خالِيا
أَراني إِذا صَلَّيتُ يَمَّمتُ نَحوَها....... بِوَجهي وَإِن كانَ المُصَلّى وَرائِيا
وَما بِيَ إِشراكٌ وَلَكِنَّ حُبَّها.......... وَعُظمَ الجَوى أَعيا الطَبيبَ المُداوِيا
أُحِبُّ مِنَ الأَسماءِ ما وافَقَ اِسمَها..... أَوَ اشبَهَهُ أَو كانَ مِنهُ مُدانِيا
خَليلَيَّ لَيلى أَكبَرُ الحاجِ وَالمُنى ...... فَمَن لي بِلَيلى أَو فَمَن ذا لَها بِيا

الحب أي حب له آثار يستدل بها عليه. فمن يحب المال حبا جما لا يأبه بمسكين، ولا يرق قلبه ليتيم، وتراه في غاية الحرص على جمع المال، لا يشتغل فكره بغيره، ولا يرى قيمة لشيء إلا بمقدار ارتباطه بالمال. ومن يحب الجاه يلهث وراءه، وإذا ما فقده لسبب من الأسباب فإنه قد يُقدم على الانتحار. ومن يحب أحدا فإنه يلهج بذكره ليل نهار، ويأنس بقربه، ولا يطيق فراقه.

من السهولة أن يدعي أحد حب شيء ما، وقد يضحك على من يدعي حبه، ولكنه سرعان ما ينكشف كذب دعواه عند أول اختبار حقيقي، بل حتى بدون اختبار عند أصحاب الفراسة في الحب الذين يستطيعون تمييز الصادق من الزائف من أول نظرة.

أما أن يدعي أحد حب الله تعالى كذبا وزورا، فإنه وإن حاول أن يخادع الله والذين آمنوا، فإنه في حقيقة الأمر لا يخادع إلا نفسه دون أن يشعر بذلك. فالله تعالى يعلم الصادق من الكاذب والمصلح من المفسد، وكذلك المؤمنون الصادقون الذين جعل لهم الله نورا يمشون به في الناس. فحب الله تعالى هو أعظم الحب وأصدقه، وآثاره هي أعظم الآثار وأسماها. ومن تلك الآثار:

اتباع محبوب المحبوب، ونعني به الحبيب المصطفى في سنته من قول أو فعل أو تقرير: (قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) 

تصديق الحبيب فيما يقول، والرضا بقضائه، والثقة به والتوكل عليه، والسير نحو لقائه بجد وإخلاص.فقد ورد في عدة الداعي و نجاح الساعي قال: رَوَى الْحَسَنُ بْنُ أَبِي الْحَسَنِ الدَّيْلَمِيُّ فِي كِتَابِهِ عَنْ وَهْبِ بْنِ منية [مُنَبِّهٍ‏] قَالَ أَوْحَى اللَّهُ تَعَالَى إِلَى دَاوُدَ يَا دَاوُدُ مَنْ‏ أَحَبَ‏ حَبِيباً صَدَّقَ قَوْلَهُ وَمَنْ رَضِيَ بِحَبِيبٍ رَضِيَ بِفِعْلِهِ وَمَنْ وَثِقَ بِحَبِيبٍ اعْتَمَدَ عَلَيْهِ وَمَنِ اشْتَاقَ إِلَى حَبِيبٍ جَدَّ فِي السَّيْرِ إِلَيْهِ. يَا دَاوُدُ ذِكْرِي لِلذَّاكِرِينَ وَجَنَّتِي لِلْمُطِيعِينَ وَحُبِّي لِلْمُشْتَاقِينَ وَأَنَا خَاصَّةً لِلْمُحِبِّينَ.

ذكر المحبوب كثيرا سرا وجهرا. وليس المقصود من ذلك الذكر اللساني فقط، بل الأمر أعظم وأعظم. ولذا كان من أشد ما فرض الله تعالى كما في الرواية عن الإمام الصادق ، حیث قَالَ: مِنْ‏ أَشَدِّ مَا فَرَضَ‏ اللَّهُ‏ عَلَى خَلْقِهِ ذِكْرُ اللَّهِ كَثِيراً ثُمَّ قَالَ لَا أَعْنِي سُبْحَانَ اللَّهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ وَلَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاللَّهُ أَكْبَرُ وَإِنْ كَانَ مِنْهُ وَلَكِنْ ذِكْرَ اللَّهِ عِنْدَ مَا أَحَلَّ وَحَرَّمَ فَإِنْ كَانَ طَاعَةً عَمِلَ بِهَا وَإِنْ كَانَ مَعْصِيَةً تَرَكَهَا.

وعن رسول الله أنه قال: علامةُ حب الله تعالى حب ذكر الله، وعلامة بغض الله تعالى بغض ذكر الله. ومن ذلك أيضا قيام الليل، فقد جاء في الرواية  عَنِ الْمُفَضَّلِ بْنِ عُمَرَ قَالَ سَمِعْتُ مَوْلَايَ الصَّادِقَ يَقُولُ‏ كَانَ فِيمَا نَاجَى اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ بِهِ مُوسَى بْنَ عِمْرَانَ أَنْ قَالَ لَهُ يَا ابْنَ عِمْرَانَ كَذَبَ‏ مَنْ‏ زَعَمَ‏ أَنَّهُ‏ يُحِبُّنِي‏ فَإِذَا جَنَّهُ اللَّيْلُ نَامَ عَنِّي. أَلَيْسَ كُلُّ مُحِبٍّ يُحِبُّ خَلْوَةَ حَبِيبِهِ.

الشعور باللذة في تحمل المشاق في سبيل الله تعالى، حتى لو كان فيها بذل نفسه. ورد عن الإمام علي أنه قال: الْقَلْبُ الْمُحِبُّ لِلَّهِ يُحِبُّ كَثِيراً النَّصَبَ لِلَّهِ وَالْقَلْبُ‏ اللَّاهِي‏ عَنِ‏ اللَّهِ‏ يُحِبُّ الرَّاحَةَ فَلَا تَظُنَّ يَا ابْنَ آدَمَ أَنَّكَ تُدْرِكُ رِفْعَةَ الْبِرِّ بِغَيْرِ مَشَقَّةٍ فَإِنَّ الْحَقَّ ثَقِيلٌ مُرٌّ وَالْبَاطِلَ خَفِيفٌ حُلْوٌ وَنِيٌّ.

هذه بعض آثار وعلامات حب الله تعالى، والإنسان (على نفسه بصيرة)، يستطيع أن يعرف صدق حبه من عدمه. نسأل الله أن يوفقنا وإياكم لحبه وحب من يحبه وحب كل عمل يقرب إلى حبة.

دمتم بحب .. جمعة مباركة .. أحبكم جميعا.

شاعر وأديب