نحن والديمقراطية: هل من أمل؟ (2)

 

 

 

في حوار مع الدكتور باقر سلمان النجار، مؤلف كتاب (الديمقراطية العصية في الخليج العربي) يتحدث بمرارة عن استعصاء العالم العربي على الديمقراطية قائلا: على رغم أن الديمقراطية كما يقولون ليست الحل السحري لمشكلات الحكم في العالم، إلا أن التجارب أثبتت أنها أفضل الحلول في تجاوز معضلات العلاقة بين الحكم والمجتمع.

إذ يستطيع المجتمع من خلالها تجاوز المعضلات الاقتصادية والتحول السياسي والاجتماعي والثقافي، وإن الكثير من الأوروبيين كانوا يتوقعون أن حالة تتابعية من سقوط الأنظمة الأوروبية ستكون لها ما يشابهها في الحالة العربية وأثبت الإقليم العربي أنه عصي على التحول الديمقراطي، ليس لأن أنظمة الحكم العربية ممانعة، بل لأن قوى التغيير في العالم العربي لم تتجذر فيها بعد وبدرجة كبيرة ثقافة الديمقراطية والتي قبل أن تكون أداة للحكم والإدارة، نمط حياة وثقافة، وأنا أشك أنها متأصلة في المجتمع العربي بل هي ليست متأصلة بشكل متجذر في القوى الداعية لعملية التغيير والدمقرطة، ومسألة تداول السلطة وهي مفصل أساسي ليست متجذرة حتى عند الماسكين بزمام السلطة ولا متمفصلة عند الداعين للتحول الديمقراطي.

إذن العقدة الكبرى كما يراها الدكتور النجار هي في الثقافة السائدة حتى على مستوى النخبة، وهي ثقافة بعيدة عن الديمقراطية، أو أن حضور الديمقراطية فيها ضعيف جدا. وهذا الأمر واضح لكل مُعايش للواقع، متفاعل معه.

ويتجلى ذلك عند المنعطفات أو مفترقات الطرق، إذ يعاد تأسيس الاصطفافات والخطابات السياسية وفق أسس التضامنيات التقليدية، من قبيلة أو طائفة أو إقليم أو جماعة وهكذا. يحدث هذا حتى عند بعض من يسمون أنفسهم بالليبراليين، حيث تتراجع منظومة القيم الكبرى من عدالة وحرية ومساواة ومشاركة وغيرها، لتتقدم قيم الانتماءات والمصالح الضيقة.
لكن السؤال: هل ستستطيع هذه المعادلة الصمود حتى النهاية؟

عند أدنى تأمل في أحداث الربيع العربي، يستطيع المرء أن يجزم أن النخب لم تكن بمستوى الحدث أصلا، إذ لم تستطع أن ترصد ما كان يحدث تحت السطح من تداعيات وانزياحات تنذر بزلزال ما، الأمر الذي جعل بعضها يتردد في الالتحاق بالركب المطالب بالتغيير، وظل مراوحا مكانه حتى انقشعت الغمامة واتضحت معالم الحصان الرابح.

لقد تحرك الشارع العربي ابتداء من تونس بسبب مجموعة من العوامل الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والثقافية، والتي كان من أبرزها تفشي البطالة والفقر وغياب العدالة الاجتماعية والفساد الإداري والمالي والتهميش والإقصاء والاستئثار بالسلطة والثروة. وساهمت وسائل التواصل الاجتماعي الحديثة في تحشيد القوى الشبابية المختلفة من أجل الاحتجاج على واقعها الراهن والمطالبة بالإصلاح والتغيير. وحدث التغيير بالفعل في بعض الدول وأجهض أو تم حرف مساره في أخرى.

والدرسان المهمان اللذان يمكن استخلاصهما مما حدث هما:

  1. صعوبة التنبؤ بموعد التغيير، غير إنه متى توفرت ظروفه المناسبة يأتي دون أن يستأذن من أحد.
  2. ما لم يتوفر الوعي الكافي بضرورة التحول نحو الديمقراطية، وما لم تترسخ المفاهيم الديمقراطية في حياة وثقافة الناس، فإن حدوث التغيير لا يعني بالضرورة التحول الديمقراطي، فقد يخرج الاستبداد من الباب ليعود من النافذة.
شاعر وأديب