متى يحدث التغيير؟

 

 

 

  • هل يكفي أن يسود الظلم والفساد والاستبداد كي ينتفض الناس ضد الواقع ويطالبوا بالتغيير؟ 

الجواب: كلا. إذ لا بد بالإضافة إلى ذلك من توفر عوامل أخرى؛ أولها الشعور ببؤس الواقع وعدم قدرته على تلبية التوقعات والاحتياجات. ثانيها الرغبة الدافعة للتغيير من خلال التطلع إلى مستقبل أفضل. ثالثها إرادة التغيير بالاستعداد الصادق للعمل الجاد ودفع الثمن. فمن دون هذه العوامل لا يحدث شيء ويبقى الوضع على ما هو عليه، وعلى المتضرر الرجوع إلى نفسه ومقاضاتها.

قد يكون مجتمع ما واقعا تحت نير الذل والهوان، ولكنه بسبب تخلفه السياسي مثلا تتعطل حواسه فلا يعود يشعر بوجود مشكلة ما، بل إنه يعيش النعيم في أتون الجحيم، فأمره كما قال أبو محسد (وأخو الجهالة في الشقاوة ينعمُ)، وقد يشعر بها لكنه لا يمتلك رغبة التغيير ربما خوفا من المستقبل المجهول، وقد يمتلك الرغبة المجردة من الإرادة فيظل يحلم بالتغيير ويعبر عن استيائه واشمئزازه من واقعه المر بأحاديث تنفيسية ، أو (فشة خلق) كما يقول إخواننا اللبنانيون، لا تتجاوز جدران المجالس والديوانيات أو كراسي المقاهي. يجتر آلامه ليل نهار منتظرا هبوط التغيير من السماء. هو مجتمع عبر عنه الإمام علي بن أبي طالب بقوله: أَيُّهَا النَّاسُ الْمُجْتَمِعَةُ أَبْدَانُهُمْ، الْمُخْتَلِفَةُ أَهْوَاؤُهُمْ ، كَلَامُكُمْ يُوهِي الصُّمَّ الصِّلَابَ ، وفِعْلُكُمْ يُطْمِعُ فِيكُمُ الأَعْدَاءَ. تَقُولُونَ فِي الْمَجَالِسِ كَيْتَ وكَيْتَ، فَإِذَا جَاءَ الْقِتَالُ قُلْتُمْ حِيدِي حَيَادِ  (أي ابتعدي ولا تقربي منا أيتها الحرب).

وهذا هو الداء الذي ابتليت به الأمة في عصر الإمام الحسين . فقد بعثت له رسلها محملة بالمكاتيب التي تدعوه للقدوم إلى العراق لإنقاذها من براثن الجور، وتبدي استعدادها للقتال معه في صفه. يقول التاريخ مبينا حجم الرسائل الواردة للإمام الحسين عليه السلام: فورد عليه في يوم واحد ستمائة كتاب وتواترت الكتب حتى اجتمع عنده في نُوَب متفرقة اثنا عشر ألف كتاب.

تقول إحدى تلك الرسائل: أما بعد: فحي هلا. فإن الناس ينتظرونك لا رأي لهم غيرك ، فالعجل العجل ، ثم العجل العجل ، والسلام .

وتقول أخرى: أمّا بعد فقد اخضرّ الجناب ، وأينعت الثمار ، وطمّت الجمام ، فإذا شئت فأقدم على جند لك مجنّد ، والسلام عليك .

وتقول ثالثة مخاطبة الحسين ومشخصة الوضع آنذاك: سلام عليك ، فإنّا نحمد إليك الله الذي لا إله إلاّ هو ، أمّا بعد : فالحمد للّه الذي قصم عدوّك الجبّار العنيد ، الذي انتزى على هذه الأُمّة ، فابتزّها أمرها ، وغصبها فيئها ، وتأمّر عليها بغير رضىً منها ؛ ثمّ قتل خيارها ، واستبقى شرارها ، وجعل مال الله دولة بين جبابرتها وأغنيائها ، فبُعداً له كما بعدت ثمود .
كل الرسائل كانت تتحدث عن تبرمها وضجرها من الاستبداد والفساد المستشري حينذاك، غير أن التبرم والضجر لم يتحول إلى فعل ممارس للتغيير، بل الأنكى أن أصحابه أو أغلبهم وقفوا بجانب المستبد وقاتلوا معه ضد من يدعوهم إلى حريتهم وعزتهم وكرامتهم وخلاصهم، وهم الذين كانوا ينتظرون قدومه. وما كان ذلك ليكون لولا غياب إرادة التغيير الفاعلة المستعدة لبذل التضحيات، والتي من دونها تصبح الرغبات مجرد أماني وأحلام يقظة.

لا يكفي أن يثرثر الناس حول التغيير ليتغير الواقع، بل لا بد من توفر إرادة صادقة تصنع التغيير ولا تنتظره.

شاعر وأديب