حسينيزم Hussainism

 

 

 

هذا المصطلح منحوت على الطريقة الغربية في تحويل فكرة أو نظرية أو طريقة أو شخصية ما إلى أيقونة ذات خصائص وسمات معينة. فمثلا نظرية أصل الأنواع لتشارلز داروين (1809- 1882) تحولت إلى ما يعرف اليوم بالداروينية Darwinism ، والتي تعني في الأصل نظرية التطور البيولوجي عن طريق الانتخاب الطبيعي، ثم اتسع معناها ليأخذ أبعادا فلسفية واجتماعية وغيرها.

كذلك على مستوى السياسة نجد مصطلح الويلسونية، نسبة إلى الرئيس الأميركي الأسبق وودرو ويلسون (1856- 1924)، الذي يعتبر رائد المدرسة الليبرالية في العلاقات الدولية، والتي من مبشريها اليوم المفكر الأمريكي المعاصر (فرانسيس فوكوياما) صاحب كتاب (نهاية التاريخ)، الذي دعا إلى ما أسماه ويلسونية مطورة، أو (ويلسونية واقعية) كما يسميها، تأخذ من ويلسون اهتمامه بما يحدث داخل الدول الأخرى وبنوع النظام فيها، ومن الواقعية عدم الانجرار إلى حروب وتدخلات لتغيير النظام في بلد ما.

ولا يقف الأمر عند هذا، بل يتعداه لمجال آخر، هو فعاليات المجتمع المدني، إذ أصبح مصطلح (نادريزم) كلمة ذات دلالات عميقة تشير إلى عدم رضا المستهلك عن السلعة أو الخدمة المقدمة له. هذا المصطلح يشير إلى (رالف نادر) أعنف زبون حسب وصف مجلة تايم الأمريكية، والذي كرس حياته لموضوع حماية المستهلك، حتى إنه لم يتزوج حتى الآن وقد اقترب من الثمانين عاما، واستطاع أن يهزم أكبر الشركات الأمريكية.

الشواهد كثيرة ليس آخرها الديغولية والتاتشرية إشارة إلى المدرسة السياسية لكل من الرئيس الفرنسي الأسبق (تشارلز ديغول) ورئيسة الوزراء البريطانية الأسبق (مارغريت تاتشر).

أوردت هذه المقدمة لبيان مدى تقصيرنا البالغ في حق الإمام الحسين ، حيث لم نقم حتى الآن بما يكفي من الجهود العلمية والثقافية والإعلامية للتعريف بما أسميه هنا (حسينيزم) أو المدرسة الحسينية للعالم أجمع. فالحسين مدرسة فريدة جدا، تمتلك من الخصائص والسمات ما يجعلها متميزة على المستوى الإنساني. فبرغم مرور أكثر من ألف وثلاثمائة سنة على حادثة استشهاده الأليمة المفجعة في كربلاء، لا يزال حتى اليوم يمارس دوره بقوة في الحياة، وكأنه مندك فيها بكل كيانه الشريف.

أعلم أننا كمسلمين وكمنتمين لمدرسة أهل البيت نعتقد بحياة الشهداء وآثارهم، انطلاقا من فهمنا القرآني للشهادة، وأنها تعني الحضور الإيجابي الواعي، وليس الغياب السلبي. فالقرآن يؤكد على ذلك تأكيدا شديدا، بل ينهى عن إطلاق اسم الأموات عليهم، حيث يقول تعالى: ﴿وَلا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْواتٌ بَلْ أَحْياءٌ وَلكِنْ لا تَشْعُرُونَ. ويتحدث في سورة آل عمران عن حياتهم وتفاعلهم، إذ يقول: ﴿وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْواتاً بَلْ أَحْياءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ (169) فَرِحِينَ بِما آتاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلاَّ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (170) يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ (171).

أعلم هذا، لكن ما فعله ويفعله الإمام الحسين منذ استشهاده حتى الآن يعطي لشهادته أبعادا مختلفة. فبشهادته استطاع أن يعيد للناس ما غاب عنهم من مفاهيم الكرامة والحرية والعزة، وأن يمدهم بطاقة استثنائية لا تنفد من الثقة بالنفس وقدرتها على التحرر من كل القيود والأغلال، لتنطلق مساهمة في صنع التاريخ الذي تريده هي، لا الذي يصنعه لها الآخرون.

الحسين وبعد هذه القرون المتطاولة، لا يزال قادرا على حشد أضخم المليونيات الجماهيرية التي تخرج طواعية إحياء لذكرى استشهاده، حتى وإن كان في ذلك التضحية بنفسها كما حدث ويحدث دائما بسبب التفجيرات الآثمة التي تتعرض لها في أكثر من بقعة.

الحسين لا يزال مدرسة رائدة في تعبئة مختلف الطاقات والكفاءات من كافة الفئات العمرية ومن الجنسين لحضور مجالس عزائه، والمشاركة في مواكبه، وإقامة الفعاليات المتنوعة تحت خيمته الثقافية الاجتماعية السياسية الأدبية الفنية الإنسانية.

إن المطلوب اليوم أن نقوم بجهود مضاعفة تتم من خلال العمل المؤسساتي لتقديم الحسين للعالم كمدرسة نموذجية في فلسفتها وفي حركتها وفي ممارستها وفي أخلاقها وفي مفاعيلها الإنسانية النووية التي يمكنها أن تعيد صياغة الإنسان وتغير حياته.

مطلوب من الجميع، كل في حقله، أن يساهم في استخلاص معالم المدرسة الحسينية؛ للفقيه دوره وللمثقف دوره، وللمؤرخ دوره، وللأديب دوره، وللفنان دوره، وللسوسيولوجي دوره، وللإنثروبولوجي دوره، ولغيرهم أيضا أدوار أخرى.
 
مطلوب أن ندخل مفردة (حسينيزم) في كافة قواميس اللغات العالمية، ولن يكون هذا إلا بخطاب حسيني عالمي، لا خطاب غارق في المحلية.

 

شاعر وأديب