مجتمع المؤسسات المنعشة 2


 

 

في الدول المتقدمة هناك ثلاث سلطات منفصلة عن بعضها، أي لكل منها مجال وفضاء مستقل تعمل فيه، وهي السلطة التنفيذية والسلطة التشريعية والسلطة القضائية. تمثل هذه السلطات الجهاز الحكومي بمختلف مكوناته. خارج هذه السلطات توجد سلطة يطلق عليها السلطة الرابعة يمثلها الإعلام المستقل، والذي يلعب دورا حيويا هاما في الحياة السياسية والاجتماعية وتشكيل الرأي العام.

وفي الدول المتخلفة تختلط كل هذه السلطات وتتداخل مكوناتها تداخلا (سَلَطيا)، أي تكون أقرب للسَّلَطة منها للسُّلطة.

أما قطاعات العمل فتنقسم إلى ثلاثة: القطاع العام (القطاع الأول) وهو القطاع الحكومي، والقطاع الخاص (القطاع الثاني) فهو قطاع المال والتجارة والأعمال، والقطاع التطوعي (القطاع الثالث) المتمثل في المنظمات غير الحكومية والمنظمات غير الربحية ومؤسسات المجتمع المدني والأهلي.

حديثنا هو عن القطاع الثالث في عالمنا الثالث، وبالذات في الدول العربية، حيث يعاني من تخلف وقصور كبير مقارنة بالدول المتقدمة. فبرغم التشريعات الدينية في أبواب الصدقة والزكاة والخمس والوقف والهبات، وبرغم النصوص الشرعية المتواترة في الحث على الإنفاق والبذل وقضاء حوائج الناس في كافة المجالات، فإن واقعنا يشهد على حالة من الانفصام بين النظرية أو العقيدة وبين التطبيق. ولا أدل على ذلك من قلة مؤسسات القطاع الثالث، وضعف تنوعها، وقلة العاملين فيها، وقلة الداعمين لها أيضا. فالجمعيات الخيرية مثلا عندنا تشكو من قلة في عدد الأعضاء، ومن انخفاض حجم الإيرادات خصوصا نسبة الاشتراكات، ومن ندرة المتطوعين، بالإضافة لمشاكل كثيرة إدارية وتنظيمية وتقنية.

في الغرب أصبح الاهتمام بالعمل الإنساني أحد معايير ومؤشرات التقدم، ففي الولايات المتحدة يحظى كل مائتين شخص بمؤسسة للبذل التطوعي، وفي ألمانيا مؤسسة لكل 150 شخص. ويلعب هذا القطاع هناك دورا رئيسيا في توطين الموارد المالية في مجال الخدمات، وفي الحد من البطالة، وفي توظيف الطاقات والخبرات بما يساهم في تنمية المجتمع وتحقيق الأمن والاستقرار، والحد من انتشار الظواهر الاجتماعية السلبية كإدمان المخدرات، والعنف، وما إلى ذلك.

وتتنوع مكونات هذا القطاع بشكل واسع جدا، إذ تشمل منظومة عريضة من المؤسسات والمنظمات والهيئات والاتحادات، والتي يجمعها ناظم واحد هو كونها لا تستهدف من وراء أنشطتها تحقيق أرباح مادية وأنها تعمل في المجال الخيري، فهي خيرية غير ربحية، كالجمعيات الخيرية، والمؤسسات الوقفية، والمدارس والجامعات والمستشفيات غير الربحية، ومراكز الدراسات والأبحاث التطوعية، وغيرها.

يحدد مؤلف كتاب (القطاع الثالث والفرص السانحة، رؤية مستقبلية) سمات معينة للقطاع الثالث وللدول التي تعمل بسياسة القطاعات الثلاثة:

- أن يكون قطاعاً من حيث القوة والشمول والعدد بمرجعية مستقلة (مفوضية، أو هيئة عليا أهلية).
- أن يكون قطاعاً ثالثاً كموقع إداري شريك في جميع عمليات التنمية للقطاعين العام والخاص (مستشفيات، جامعات، ...)
-  أن يكون مستقلاً عن القطاع الحكومي والأحزاب السياسية ( مرتبط بدستور الدولة وأساسها الديني أو المدني الذي قامت عليه الدولة –أية دولة)
-   أن يتمتع بجميع حقوقه المادية (أوقاف – زكاة- فعاليات التبرعات – ضرائب(  باختلاف بين الدول.
- خدمات مجانية وغير ربحية حسب نوع النشاط وقيمته.

إن القطاع الثالث في المجتمعات العربية لا يزال دون المعايير المطلوبة لتسميته قطاعا ثالثا، بسبب عدم استقلاليته، وبسبب الأنظمة البيروقراطية الشديدة المعيقة لنموه، وبسبب غياب التشريعات المساعدة على ازدهار سوقه. بل إن كثيرا من الدول لا تزال تنظر للمنظمات غير الربحية ومنها مؤسسات المجتمع المدني بعين الريبة، وتعتبرها منافسا لها ينبغي العمل على كبح جماحه.

شاعر وأديب