مجتمع المؤسسات المنعشة 20

 

 

جاء رجل بسيط جدا لبيت المرجع الديني الكبير السيد أبو الحسن الأصفهاني (رحمه الله)، وأخذ ينظر في مكتبة السيد، ثم قال للسيد بكل ثقة بأنه يعرف كل ما في تلك الكتب من محتويات. سأله السيد متعجبا: كيف ذلك؟ قال باللهجة العراقية: (كلها تقول: يا بني آدم صير خوش آدمي).

هذه الجملة على بساطتها تكشف عمق أزمة القراءة في مجتمعاتنا، وعدم قدرتها على توفير بيئة تعلم مستمر، مما يضعف قدرتها على الإنعاش. عندما نتعامل مع أزواجنا وأبنائنا بطريقة التجربة والخطأ، وكأنهم يعيشون في مختبرات من فئة (مش حالك)، أو بطريقة تعاملنا مع الأجهزة إذا تعطلت المعروفة شعبيا بِ (طَفُّه وشَغله) فإننا نكون أبعد ما نكون عن المؤسسة المنعشة.

المؤسسات المنعشة تتميز بأنها ذات بيئة تشجع على التعليم المستمر الذي لا يتوقف عند حد. تتعلم من كل ما حولها من جماد ونبات وحيوان وإنسان. تتعلم من الجماد: ﴿وَإِنَّ مِنَ الْحِجارَةِ لَما يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الْأَنْهارُ وَإِنَّ مِنْها لَما يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْماءُ وَإِنَّ مِنْها لَما يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ، وتتعلم من شجرة البامبو ومن البطريق ومن الإنسان أيضا.

مصادر التعلم لم يعد لها حدود في وقتنا الراهن، لكن المشكلة أننا إما لا نقرأ أصلا، أو نقرأ قراءة غير متعمقة، أو نحصر مصادر التعلم في الكتاب وحده. ماذا تعلمنا من البحر والأحياء البحرية؟
وماذا تعلمنا من النخل ونحن في بيئة بحرية زراعية؟
بل ماذا تعلمنا من الحمار الذي خدم أجدادنا وآباءنا سنين متطاولة دون كلل أو ملل؟
هل سمعتم أنه اشتكى مرة واحدة؟

بالمناسبة قرأت عن مواصفات الحمار الحساوي وأنه يتميز عن غيره بالارتفاع وأن لونه أبيض، وأنه يتحمل المشاق، وصبور على العمل، ويحفظ الود لصاحبه الذي يشفق عليه، فتمنيت أننا سبقنا الحزب الديمقراطي الأمريكي واتخذنا الحمار شعارا للخدمة المميزة، بدلا من اتخاذه مادة للسخرية والاستهزاء.
ألا يدل ذلك على قلة وفاء لهذا الكائن الجميل؟
ألا يدل على أننا لا نحسن قراءة من حولنا جيدا؟

في كثير من الأحيان نصر على أننا لا نحتاج لحضور دورات تدريبية مثلا في المجال الأسري قبل الزواج أو بعده، لأننا نظن أن لدينا ما يكفي من المعلومات والمعارف والخبرات عن فن التعامل مع الأزواج والأولاد، وأننا خبراء في التربية أكثر من (جان بياجيه)  عالم النفس الفرنسي الذي أمضى خمسين عاما من عمره لدراسة نسق النمو العقلي عند الطفل.

سأطرح سؤالا أرجو الإجابة عليه بشفافية بينك وبين نفسك: كم كتابا قرأت عن الأسرة وإدارتها؟ كم دورة تدريبية حضرت في هذا الشأن؟
كم من الأموال استثمرت في تنمية ذاتك ومن حولك من أسرتك في الجانب العقلي والعاطفي والاجتماعي؟
هل قرأت عن قوانين الحب الأولى كونه الأساس لأية ثقافة أسرية جميلة، لأن تطبيقها –كما يقول ستيفن كوفي- هو فقط ما يجعلنا نستجيب لقوانين الحياة الأولى (مثل الصدق، المسؤولية، الاستقامة، خدمة الغير)؟

سأغتنم فرصة وصولك إلى هذا السطر في المقال، لأهمس في أذنك أنك قارئ جيد، وأنك تستطيع الإكمال حتى النهاية. وبالتالي سأقوم بتحديثك عن قوانين الحب الأولى، كي تطبقها في حياتك الشخصية.

قوانين الحب الثلاثة في الأسرة الفائقة الفعالية-بحسب كوفي- هي القبول بالآخر بدلا من رفضه، والتفاهم معه بدلا من إصدار الحكم عليه، والمشاركة بدلا من الاستغلال.

يقول ستيفن كوفي: أحيانا عندما يتعاطف الناس مع شخص يحبونه، ويحاولون بذل كل ما في استطاعتهم كي يجعلوه في الطريق الذي يرونه مناسبا له، فإنهم عادة ما يقعون في مصيدة قوانين الحب الثانوية الزائفة: إصدار الأحكام، والرفض والاستغلال.

هؤلاء الناس يركزون على الهدف النهائي الذي يريدون تحقيقه، ولا يركزون على الشخص ذاته، أي أن حبهم مثل هذا الشخص هو حب مشروط. بعبارة أخرى، إنهم يستخدمون الحب للسيطرة والاستغلال، ونتيجة لذلك، يهب ذلك الشخص للدفاع عن كيانه وهويته.

لكن عندما تتقبل الآخرين وتحبهم كما هم، لا كما تريد أنت، سوف تشجعهم على التحول إلى الأفضل.

ليس من الصحيح أن يكون مسلسل (همتارو) الكرتوني الياباني أقدر على قراءة صغارنا وإنعاشهم منا.

أخيرا أقول: اقرؤوا عن الأسرة والتربية بعمق كي تنتعشوا وتُنعِشوا.

شاعر وأديب