الوصفة القدسية لبلوغ المحبة الربانية

 

 

عندما يصاب أحد بمرض ما، فإنه يفزع للطبيب الخبير لتشخيص علته ووصف العلاج الناجع له. ثم لن يتردد في شراء الوصفة الدوائية، وإن كلفته غاليا، ليتناولها بدقة أملا في الشفاء. الطبيب لا يعطي لأحد ضمانا بذهاب المرض، بل هو يعمل ضمن دائرة احتمالات مقبولة عند العقلاء عادة، أي يمكن ترتيب آثار عملية عليها.

هذا عندما يمرض الجسد. أما عندما يمرض الروح وتأتيه الوصفة ممن قال لنبيه الكريم : (وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُم مِّن الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً)، فإن الوصفة مضمونة النتائج شرط التقيد بمقاديرها والالتزام بشروطها.

الإنسان مفطور على حب الكمال. هذه حقيقية وجدانية لا يختلف عليها اثنان.

المشكلة تكمن في تشخيص مصداق الكمال. فواحد يرى الكمال في قوة عضلاته البدنية، وآخر في الوسامة والرشاقة، وثالث في نموه العقلي والفكري، ورابع في المأكل والمشرب والمأوى، وخامس في امتلاك محبة الآخرين وقلوبهم، وهكذا. قليل هم الذين يتسامون للأعلى ليبحثوا عن أكمل الحب وأبهاه، أي حب الله عز وجل، الحب الذي ليس فوقه حب، الحب الذي بين القرآن الكريم طريق الوصول إليه، فقال تعالى: (قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ)، فالوصول لمحبة الله يمر عبر اتباع نبيه محمد ، باعتباره - أي الاتباع - كاشفا عن رضا العبد وتسليمه وانقياده لمن اختاره الله واصطفاه من خلقه، وذلك هو الحب، إذ لا اختيار مقابل اختيار المحبوب. يقول تعالى (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ).

إذن كي تكون محبوبا عند الله، ينبغي أن تكون البداية العملية منك: (فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ). وهذا ما يؤكد عليه الحديث القدسي المروي في أخبار داوود عليه السلام، والمذكور في كتاب (مُسَكِّن الفؤاد)، حيث جاء فيه:

( يا داود، أبلغ أهل أرضي: إني حبيب من أحبني، وجليس من جالسني، ومؤنس لمن أنس بذكري، وصاحب لمن صاحبني، ومختار لمن اختارني، ومطيع لمن أطاعني، ما أحبني أحد أعلم ذلك يقينا من قلبه إلا قبلته لنفسي ، وأحببته حبا لا يتقدمه أحد من خلقي. من طلبني بالحق وجدني، ومن طلب غيري لم يجدني. فارفضوا - يا أهل الأرض - ما أنتم عليه من غرورها، وهلموا إلى كرامتي ومصاحبتي ومجالستي ومؤانستي ، وأنسوا بي أؤانسكم ، وأسارع إلى محبتكم).

هذه دعوة ربانية مفتوحة للعباد جميعا للالتحاق بمائدة حب الله، دعوة أكد عليها القرآن الكريم في غير موضع كقوله تعالى: (فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُواْ لِي وَلاَ تَكْفُرُونِ). وما علينا سوى العمل الجاد لتوفير الشروط لنصبح مؤهلين لذلك.
نسأل الله لنا ولكم التوفيق للسير في طريق محبته واتباع سنة نبيه محمد .
دمتم بحب.. جمعة مباركة.. أحبكم جميعا..

 

 

شاعر وأديب