ميكانيزمات الإحباط الوظيفي

 

 

 

يتعرض الموظف في مسار حياته الوظيفية إلى العديد من الضغوط، بعضها يكون نتيجة لطبيعة العمل المناط به، وبعضها الآخر يتمخض عن نمط الإتصال التنظيمي داخل بيئة العمل، وبعضها يكون نتيجة للتفاعلات الإجتماعية المتقاطعة بين مفردات العمل نفسه، والبعض الآخر منها يعود إلى طبيعة التكوين النفسي والإعداد التربوي للموظف ذاته. 

ولعله من العسير جداً التعرف على كافة العوامل التي تتسبب في تسرُّب مشاعر القلق والإحباط الوظيفي Job Frustration)) إلى نفوس الموظفين، نظراً لأن بعضها يمكن رصده ومتابعته بشكل مباشر لأنه يحدث على السطح، بينما هناك عددٌ غير قليل من مسببات الشعور بالإحباط وخيبة الأمل من الصعوبة بمكان إكتشافها لأنها تحدث في الخفاء ولا يمكن للمراقبين والمُهتمين بالسلوك التنظيمي الإحاطة بها لا سيما مع عدم مبادرة المتضررين منها للبوح بها وإخراجها من صندوق الباطن وعرضها على السطح.   

ولكن يمكننا الإجتهاد إرتكازاً على ما يمكن رصده على السطح حيناً، وعلى ثلاثية المشاهدة، والتحليل، والإستنتاج، حيناً آخر، أن نورد بعض العوامل التي تؤدي إلى تسلل الشعور بالإحباط إلى نفوس بعض الموظفين، وتتسبب في شعورهم بالكآبة، وضعفٍ في جودة الأداء، وقصورٍ في الإنتاجية، وتوترٍ في علاقاتهم التنظيمية والإجتماعية، وذلك كما يلي :

أولاً :  ضعف العلاقة التنظيمية بين الرئيس والمرؤوس : حيث أن هناك بعض الرؤساء يعمدون للحفاظ على المسافة الإجتماعية التي تضمن عزل الموظفين خوفاً من أن ذلك يؤدي إلى ضعف سلطتهم، وتبخر هيبتهم، وإنحسار رمزيتهم التنظيمية، وتمييع سلطتهم، وهذا يُعتبر وهماً قاتلاً لأنهم لا يعلمون، أو إنهم يعلمون ويتناسون أن القيادة تعتمد أساساً على بناء الألفة والإنسجام، وإنّ لجوء الرئيس إلى بناء جداراً عازلاً بينه وبين المرؤوسين يؤدي بالضرورة إلى إنعدام الرؤية الواضحة بينهما مما يفضي إلى إشاعة جوٍ من التوتر والريبة وعدم الثقة، وغياب الرضا الوظيفي ، وضعف الولاء المؤسسي.    

ثانياً : غياب أو ضعف التقدير :  من المهم بمكان أن تهتم الإدارة الواعية والمطلعة بعمق على مصفوفة الإحتياجات الإنسانية للأفراد، والتي تمتلك أيضاً قدراً وازناً من المعرفة بإختلاف البشر في دوافعهم التي تحركهم لإشباع إحتياجاتهم أن لا تغفل عن الإهتمام بمنظومة الحوافز المادية والمعنوية للموظفين الذين هم أمانة في عنقها، وتقع على عاتقها مسؤولية الحفز والتشجيع، والدعم المادي والمعنوي وفقاً للإمكانيات المتاحة فليس من العقل والمنطق أن نقوم بصناعة بقرة من الخشب ثم نطالبها بالحليب ظلماً وجوراً، أو أن نركز على الأداء المُتقن، ونطمع في تعظيم الإنتاجية، ونحنُ نستكثر حتى كلمة " شكراً " لمن هم يعملون تحت إشرافنا، وفي إطار مسئوليتنا الإدارية. 

ثالثاً :  تضييق الخناق على الكفاءات : فكثير من الموظفين  الذين تحملوا الصعاب في مسيرتهم العملية خلال سنوات طوال، ووصلوا بعد استثمار ما يملكونه من وقت وجهد إلى خبرة غنية، ومع ذلك يواجهون بالتهميش وسوء التقدير، ويتعرضون لتيار بعض النظم العقيمة التي تبعث على الملل، وتطفئ شعلة العطاء والإبداع(Creativity) ، بل ويترك العنان لبعض الإداريين أن يتسلطوا عليهم ويتحكموا في مستقبلهم المهني، ويصادروا أدوات نجاحهم، ويعاملونهم معاملة لا توفيهم حقهم من الاحترام و التقدير والثناء ، ويحرمونهم من الحوافز الوظيفية التي يستحقون، والأدهى وجود بعض أعداء النجاح ممن ألفوا تثبيط الهمم والوشاية بأصحاب الكفاءات، وتواطئهم على محاولة هدم نجاحاتهم لعجزهم عن مواكبة همتهم العالية،  ولا شك أن تقدير واحترام جميع الموظفين في أي مجتمع ينم عن سمو أخلاق أفراده وتحضر سلوكهم الاجتماعي (Social Behavior) .

وأخيراً إذا كان الإنسان يعاني من الإحباط الوظيفي وبدأت طاقته تنفد فإن هناك مجموعة من الخيارات أمامه : التحمل والإكتفاء بالأمل في تحسن الوضع وترك الأمور على ما هي عليه حتى تتلاشى الحالة بفعل الزمن لكن المشكلة في هذا الحل هي أن الوضع ربما لا يتحسن أبدا وإنما قد يتدهور أكثر حتى يفقد الإنسان رغبته في العمل،  كما يمكن للموظف طلب التمتع بإجازة طويلة للإبتعاد عن جو العمل ولكن في هذه الحالة فإن الموظف  لزاماً عليه العودة عاجلا أو آجلا، أو التقدم بالاستقالة (Resignation) ، إلاّ إنني أرى أن أفضل علاج للإحباط الوظيفي هو احتساب العمل خالصاً لوجه الله، والنظر إليه بأنه يأتي في مضمار أداء الواجب الوطني والأخلاقي وعدم البحث عن ثناء الناس و مدحهم وتقديرهم، فالأجر من الخالق عز و جل  خير وأبقى، وليس هناك من ليل إلاّ ويعقبه صباح وإن طال أمده، وتعقّدت حلقاته. 

إستشاري سلوك وتطوير موارد بشرية