الشركات الأمنية و صمام الأمان في العراق

 شقيقتان تتآزران لأداء مهمة واحدة , إنها مهمة ٌبغيضةٌ ومروعة ابتدأها قابيل في زمن الخليقة الأول, مهمة ٌ ثمرتها اليتم و الترمل و الثكل و دموع المفجوعين في أحبائهم.  شقيقتان مهمتهما القتل و الحرب, و وظيفتهما الفساد في الأرض, و متعتهما الترويع و سفك الدماء.   شقيقتان لا تبرحان تتعاضدان على الشر والإثم , الشركات الأمنية الخاصة و شركات تصنيع السلاح.  ورغم عدم براءة صانعي السلاح من المشاركة في جرائم القتل المباشر و خوض المعارك في ساحات القتال بل ثبوت ضلوع أعمدة هذه التجارة في إثارة الحروب باعتبارها وقوداً يحرك صناعتهم و تجارتهم, تبقى الشركات الأمنية الخاصة الطرف المجرم الأكبر و المعني الأول في اقتراف الفظاعات بحق البشر و الإنسانية. 

 الشركات الأمنية الخاصة PMFs هي الخلف البار لظاهرة الارتزاق في تاريخ الحروب بين الأمم و الشعوب.  و المرتزقة هم جنود أو مقاتلين يحاربون في معارك ليسوا طرفاً مباشراً فيها ولأجل قضية لا تعنيهم و إنما يقاتلون من أجل المال و حسب.  إنهم يقاتلون في غير بلادهم و نيابة عن غيرهم من جيوش الدول الأخرى التي لا ينتمون إليها.  كاستخدام الهنود في الاحتلال البريطاني للعراق في القرن الماضي و كاستخدام الشركات الأمنية في الاحتلال الأمريكي للعراق حالياً.

  وتاريخياً – في العراق أيضاً – تم توظيف العنصر البشري الشامي لمحاربة العراقيين و قبائل العرب ممن ناصر أمير المؤمنين علي بن أبي طالب إما باعتباره خليفة رسول الله الشرعي – و هو الحق – أو باعتباره الخليفة الرابع الذي استخلف بالبيعة العامة كما يعتقد البعض.   فكان الشاميون يحتطبون في حبل غيرهم و يوقدون ناراً ضوءها لمعاوية (لع) فلا هم أصحاب الشأن و لا قائدهم ولي الدم.

 إن دولة كالولايات المتحدة الأمريكية ,تمارس الخداع و التضليل الإعلامي, تجد في الشركات الأمنية الخاصة حلاً لكثير من معضلاتها العسكرية, فالشركات الأمنية لا تخضع لقانون دولي ينظم عملها بل غالبا ما تتحرك بشكل سري بعيداً عن الأضواء الإعلامية, و تتمتع بحصانة تجعلها فوق قانون الدولة التي تعمل على أراضيها, فلا محاسبة قانونية و لا مسئولية أمام أي جهة شعبية أو قضائية أو دولية.  و عادة ما توظف هذه الشركات جنوداً سابقين خدموا في الجيوش النظامية في بلادهم أو محترفين من أفراد القوات الخاصة و الجنرالات المتقاعدين.  وعندما تنحل الجيوش النظامية أو يتقلص عدد جنودها فإن الفائض يتوجه تلقائياً للحاضنة الطبيعية التي توفر لهم بيئة العمل الوحيدة التي يتقنونها – القتال. 

 و مما يميز الشركات الأمنية على الجيش النظامي بالنسبة للحكومة الأمريكية هو قدرة الشركات على العمل بحرية و مرونة أكبر بعيداً عن البيروقراطية المعيقة في تركيبة الجيش الرسمي.  فالحكومة لن تكون مسئولة عن تمرير المرتزقة عبر الحدود, و لن تكون ملزمة برواتب التقاعد للمرتزقة ولا عن أسرهم.    و ما يحل على أفرادها من قتل أو إصابات و خسائر لا يشكل فضيحة على الحكومة الأمريكية لأنها مسئولة عن جيشها النظامي و لا تعلن إلا الخسائر و العمليات المرتبطة به. 

  ولكن ما يهم هو التعرف على ما تقوم به من دور تدميري و معرفة أثر وجودها على الناس و على اقتصاد الدولة.  أما أثرها الاقتصادي فيكفي أن نعرف أن الأموال التي يعلن أنها مخصصة لإعمار العراق تستنزفها الشركات الأمنية الخاصة بعناوين عديدة. و بالتأكيد فإن موضوع الإعمار و ما يهدر باسمه من أموال يحتاج إلى دراسات مفصلة و شرح مسهب فليست الشركات هي السبب الوحيد في إهدار الأموال فالسرقات, و المشاريع الوهمية, والمبالغة في تضخيم أسعار السلع و الصفقات , و إبرام العقود دون مناقصات معلنة و غيرها من أساليب الفساد المالي كلها تمتد لتلتهم جيوب الفقراء من أبناء العراق أو بالأحرى لتمنع و صول المال إلى هذه الجيوب.

 و تتنوع تخصصات الشركات الأمنية فمنها شركات الخدمة العسكرية بمعنى توفير مقاتلين يشاركون في العمليات الحربية الأساسية بما فيها القتال في الخطوط الأمامية.  ومن هذه الشركات شركة: Executive Outcomes 

 و منها شركات الاستشارة العسكرية و تقوم بتقديم النصائح و التقارير البحثية و المشورة الإستراتيجية و خبرات التدريب العسكري و من الأمثلة على هذا النوع شركة: Military Professional Resources Incorporated   (MPRI)

 و منها شركات الإسناد أو الدعم العسكري التي تقدم الدعم اللوجستي – تنظيم حركة الوحدات والآليات و تزويد المركبات بالوقود و الجنود بالغذاء.... الخ – و تقدم المعلومات الاستخبارية و أعمال التجسس والاستطلاع.  و من أمثلة هذا النوع شركة The Halliburton Company of Houston

 فالشركات الأمنية الخاصة في العراق لا تقوم بأدوار عادية و نظيفة كحماية البنوك و المؤسسات المالية أو حراسة المستشفيات أو غيرها من أعمال أمنية ضرورية و مشروعة.  بل تمارس أدواراً قذرة تخريبية ربما لا يقوم بها أفراد الجيش النظامي ليس لوازع أخلاقي أو لتمنع نابع من ضمير إنساني بل تحاشياً للفضائح أمام الرأي العام العالمي و الدولي و لتبقى صورة الدولة الأمريكية لامعة جميلة في عيون الأغرار و المغفلين.

  إن الأدوار المعلنة التي تقوم بها هذه الشركات تتجاوز أعمال الحماية الشخصية و حراسة المرافق الحيوية في الدولة , فهي تمارس عدة نشاطات منها:

1-    تدريب أفراد الجيش العراقي.

2-    حماية المسئولين و الوزراء و الدبلوماسيين.

3-    نزع الألغام و العبوات من طرق شاحنات الوقود و المدرعات والآليات المقاتلة.

4-    صيانة المعدات الحربية للجيش النظامي.

5-    التجسس و النشاطات الاستخبارية.

6-    القتال المباشر في الخطوط الأمامية.

 وهذه بعض النشاطات المعلنة و التي لا تشكل فضيحة ضاغطة على الطرف المستأجر و ربما لا تؤثر على سير عمل الأجير أيضاً, فهو يعمل لحساب شركة أمنية فما عسى أن تكون طبيعة عمله و نشاطه.  أما النشاطات غير المعلنة فهي تشكل الجوانب الوحشية التخريبية التدميرية للبلاد و العباد, كإنشاء السجون و إدارتها و التحقيق مع المعتقلين و تعذيبهم , و لنا أن نسأل عما يجري داخل السجون و المعتقلات وعن دور هذه الشركات في:

معتقل بوكا Camp Bucca 

و معتقل بادوش  Badoosh Concentration Camp

و معتقل أبو غريب Abu Ghraib prison

و معتقل الذكرى Camp Remembrance II

و معتقل كروبر Camp Cropper

و معتقل الحرية Camp Liberty

 و كذلك نسأل عن دورها في عمليات التفخيخ و القتل العشوائي الذي يطال عامة المواطنين, فعندما تتطلب الأوضاع السياسية وجود مناخ فتنة أو حرب بين السنة و الشيعة تعمد هذه الشركات إلى أداء واجبها بقتل الناس و قطع رؤوسهم ثم رميها في الشوارع.   و كذلك عمليات الاغتيال النوعية التي تستهدف المعارضين و أصحاب الأصوات المؤثرة من ذوي الثقل و قيادات الأحزاب الفاعلة و الكفاءات العلمية والأكاديمية و الشخصيات الدينية المتحركة في المجتمع. 

 إن التعاون بين القوات الأمريكية و التنظيمات الإرهابية أصبحا أمراً فاشياً و خبراً ذائعاً لا يحتاج إلى عناء الإثبات.  إن الإفراج عن الإرهابيين بأمر من القوات الأمريكية أو باقتحام مباشر للسجون يفضح النوايا الحقيقية و المشروع الديمقراطي الذي تسعى أمريكا لتحقيقه. 

  و بعد فضيحة شركتي (تيتان) Titan و (كاكي) CACI وما اقترفتاه من التعذيب في سجن أبو غريب و بعد حادثة شركة (بلاك ووتر)Blackwater  الأمنية التي تم فيها إطلاق النار عشوائياً على المواطنين بذريعة حماية موكب المسئولين السياسيين أصبح خطر هذه المؤسسات الإجرامية جلياً للجميع.

  وبعد كل هذا هل يوجد من يعتقد أن هذه الشركات صمام أمان للبلاد؟  و إذا كان دورها التخريبي و الإجرامي واضحاً لحد أن المعلومات أصبحت تؤخذ من الموسوعات المعتمدة , فلماذا لا نرى موقفاً حازماً من الحكومة العراقية تجاه هذه الشركات و العمل على طردها من البلاد؟  و هل عند الصمام معرفة كافية أو موقف واضح من هذه الشركات:

1-      Engineered Support Systems  http://www.armedforces-int.com/

2-      Blackwater USA  http://www.blackwaterusa.com/

3-       Custer Battles  http://www.custerbattles.com/

4-      Titan  http://www.titan.com/home.html

5-      Sandline  http://www.sandline.com/

6-      Military Professional Resources Incorporated http://www.mpri.com/index.html

7-      North Bridge Services http://www.northbridgeservices.com/

8-      Kellogg, Brown & Root   http://www.kbr.com/

9-      DynCorp  http://www.dyn-intl.com/

10-  Armor Group   http://www.armorgroup.com/

11-  Control Risks  http://www.control-risks.com/

12-  AEGIS http://www.aegisworld.com/

13-  American-Iraqi Solutions Group  http://www.aisgiraq.com/

14-  The Risk Advisory Group   http://www.riskadvisory.net/

15-  CSC  http://www.csc.com/about_us/

16-  ERINYS http://www.erinysinternational.com/

17-  Eagle Security Services http://www.eagless.com/

18-  SOS http://www.soc-smg.com/

19-  Sumer International Security http://www.thesandigroup.com/ 

20-   Meteoric Tactical Solutions

21-  Diligence http://www.diligencellc.com/

22-  Group 4 Securicor  http://www.g4s.com/home/

23-  Hill & Associates  http://www.hill-assoc.com/web/Portal?xml=home&lang=en

 
 و إذا كان التحرك العسكري لهذه الشركات موجهاً نحو العراقيين الأبرياء لتحقيق أغراض سياسية نافعة لمن استأجرهم , لماذا ينادي بعض الأطراف بضرورة فرض القانون ولو باستخدام القوة العسكرية المفرطة ضد المواطنين العراقيين في البصرة و مدينة الصدر بتهم لو صحت فهي لا تعدو كونها أعمالاً تافهة قياساً لما يمارسه أكابر المجرمين من الشركات الأمنية و الجيش المحتل و المخابرات الكبرى؟  و أين الصمام من كل هذا؟

 كيف يذبح أبناء العراق المؤمنين و يشهر بهم إعلامياً في حين تتمتع هذه الشركات الأجنبية بحصانة تجعلها فوق القانون و تمكنها من التحرك بحرية و مرونة لا تتيسر حتى للجيش العراقي نفسه؟   من هو صمام الأمان للعراقيين أهو الشركات الأمنية الخاصة أم الجيش الأمريكي و القوات العميلة المتعاونة معه ؟  وما هذه السِنة و الغفلة عن ظلامة المحرومين؟  بل ما سر السكوت عن المجرم الحقيقي وما يفعله من فظاعات؟ 

التعقيبات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
التعليقات 2
1
احمد العزيز
[ السعودية - القطيف ]: 13 / 8 / 2009م - 3:48 ص
نشكر الكاتب الكريم الاستاذ وسيم على مقاله الجيد وتعريفه المسهب في خطورة الشركات الأمنية الغربية على أمن العراق وشعبه .
ولكن ليسمح لنا /
فالكاتب كأنه وضع مشاكل العراق الهائلة كلها في جنبة الشركات الأمنية وحدها !
أليس شعب العراق وحكوماته المتعاقبة منذ الاحتلال الامريكي في 2003 هي صاحبة الدور الأكبر لهذه الآلام ؟
هل ننسى تدخلات الدول المحيطة بالعراق في كافة شؤونه بل وارسال العقول والسيارات المفخخة لتدميره ؟
هل ننسى محاولة نهب ثرواته والدخول من طريق المذهبية والطائفية لتفتيته لكيانات صغيرة تدين بالولاء لمن يعطي ؟ليست أمريكا حتما وحدها المتسببة بويلات العراق بل شعبه مسؤول وكذلك من يحيط به وخاصة جاريه الكبيرين !!
2
وسيم إبراهيم
[ أم الحمام - القطيف ]: 13 / 8 / 2009م - 1:56 م
بسم الله الرحمن الرحيم
شكرا لك عزيزي لكل ماذكرت
أتفق معك تماماً بأن الشركات تمثل جانباً من معضلة الأمن في العراق و لم أتطرق لغيرها حفاظا على وحدة الموضوع لأن المقال يتناول شيئا واحدا , و إن أحببت فإنه يشرفني أن تقرأ و تنتقد مقالات ذات صلة مثل 1- حبيبتي أمريكا , 2- اليوفمزم ضرورة للساسة الغراقيين, 3- حكومة عراقية أم أمريكية؟ , 4- حصاد عامين من الاحتلال و غيرها. و الشركات عنصر اساس في تدمير البلد و قد ذكر مارتن إنديك أنه لم يبق لهم إلا سياسة Divide and Rule أي فرق تسد , فهم المحرك و الباقي ادوات هم اليد و القاعدة قفاز , أما الجاران الكبيران فموضوعهما أعقد من أن أتناوله بتعليق هنا

ولك فائق التحية و التقدير
مدرس لغة انجليزية
شاعر وأديب