الديمقراطية التي لا تأتي (4)


كتب هاشم صالح في جريدة الشرق الأوسط في تاريخ 6 سبتمبر 2013 يقول: أراهن على أن الظروف الموضوعية لتحقق الديمقراطية في العالم العربي والإسلامي ككل لم تتوفر حتى الآن. ولذلك فكل كلام عن الديمقراطية هراء في هراء، أو مجرد تمنيات وأضغاث أحلام في أحسن الأحوال، هذا إن لم يكن مزايدات وشعارات. لم أصادف حتى الآن أي شخص ديمقراطي في العالم العربي! أبالغ قليلا.. ولكن كيف يمكن أن نكون ديمقراطيين إذا كانت ثقافتنا وتربيتنا غير ديمقراطية؟ يكفي أن تختلف مع أحدهم بشأن القضايا الدينية أو السياسية لكي يحقد عليك إلى الأبد. أين هي العقلية الديمقراطية؟ أكاد أقول إنها ترف لا تقدر عليه إلا الدول المتقدمة جدا. لهذا السبب تهرب الأدمغة من عالمنا الإسلامي لكي تتنفس هواء الحرية في الخارج.

هاشم صالح ليس بدعا من الكتاب العرب الذين وصلوا لهذه النتيجة السوداوية المنتزعة من الواقع المر
الذي تعيشه الأمة، والذي كلما ظننا أنه اقترب من الانفراج انتكس ثانية بسبب ضعف القوى المحركة للتغيير في مقابل الأخرى المقاومة له، والتي تستفيد من الأمية السياسية المستشرية في الأمة طولا وعرضا.

لكن لعله بسؤاله الاستنكاري (كيف يمكن أن نكون ديمقراطيين إذا كانت ثقافتنا وتربيتنا غير ديمقراطية؟) اختصر الكثير مما يمكن أن يقال جوابا على سؤال: لماذا لا تأتينا الديمقراطية؟. فالديمقراطية ليست آليات مجردة يسهل نقلها من بيئة لأخرى، بل هي ثقافة قبل كل شيء. وما لم تكن أرضنا ربوةً مهيأة لاستقبال وابل الديمقراطية أو طلها، فإن جِنِّي مصباح علاء الدين سيعتذر عن مساعدتنا غير آسف علينا، وكيف يأسى على قوم يعادون الديمقراطية وإن تظاهر بعض مثقفيهم بالدعوة إليها؟! لقد كشف (الربيع العربي) سوءات الكثير من المثقفين الذين كانوا يُنظِّرون للديمقراطية، ويتساءلون عن الخلل في الأمة، وإذا بهم هم الخلل نفسه.

يمكن أيضا أن نفصل الجواب على سؤال الديمقراطية التي لا تأتي من خلال الحديث عن إشكاليتين في هذا الصدد. الأولى داخلية؛ تتمثل في البنية الاجتماعية والثقافية السائدة، وهي بنية متخلفة لا تقيم لمفهوم المواطنة وزنا، بل تقوم على حسابات عشائرية وقبلية ومذهبية ومناطقية وفئوية وأمثالها. وخير دليل على ذلك إفرازات الانتخابات حيث لا يكون التنافس على أساس البرامج، وإنما على أسس الانتماءات الفرعية. وتتمثل أيضا في ضعف مؤسسات المجتمع المدني بسبب تغول السلطة وتدخلها في كل شأن. كما تتمثل في التخلف التنموي على كافة الأصعدة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والثقافية.

أما الإشكالية الثانية فخارجية؛ منها كما يقول عبد الحسين شعبان "محاولات فرض الهيمنة والاستتباع بحجة التغيير الديمقراطي أو فرض خطط الإصلاح، وكذلك الحصارات الدولية على الشعوب ...، إضافة إلى العدوان والاحتلال". فالرهان على الخارج لإحداث التحول هو رهان خاسر كما أثبتته الأحداث، فالغرب لا تهمه الديمقراطية كثيرا بقدر ما يهمه تأمين مصالحه. وقد عمل على إعاقة الديمقراطية في أكثر من بلد.

باختصار، كي تأتي الديمقراطية لا بد أن نعد لها العدة المناسبة ونهيئ الأرضية الموائمة لاستنباتها، والطريق لذلك طويل طويل.

 

 

شاعر وأديب