فاطمة آية العفاف
مما ميز الله به المرأة المسلمة أن جعل لها قدوة وأسوة تحتذي بها، ونموذجاً ترتسم خطاه ونجماً قدسياً لامعاً تستضيء بضيائه، أهداها تحفة ربانية وبضعة نبوية، الصديقة الطاهرة آية العفاف فاطمة الزهراء ، فأي قدوة هي أعظم من فاطمة؟!
فما أحسن أن تتخذ النساء من الصديقة الطاهرة فاطمة الزهراء أسوة وقدوة لهن في حياتهن، فلقد بلغت بضعة النبي صلى الله عليه وآله وسلم أرقى مراتب الحشمة والعفة والطهارة، وعلى المرأة المسلمة أن تقتدي بسيدة العفاف لتبني مجتمعاً إسلامياً قائماً على الشرف والفضيلة.
فمن سمو أخلاق وملكات بضعة رسول الله صلى الله عليه وآله العفاف والحجاب، وقد أعطت للمرأة المسلمة الدروس لتكون مربية للجيل ومنشأة للأبناء الصالحين، وهذه قطرات من بحار عفافها ، روي أن رجلاً أعمى أستأذن على فاطمة فحجبته فقال لها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم «لم حجبته وهو لا يراك» فأجابته «إن لم يكن يراني فأني أراه، وهو يشم الريح» وانبرى النبي صلى الله علي وآله وسلم فأثنى على ابنته بقوله «أشهد أنكِ بضعة مني».
وقد قدم أمير المؤمنين سؤالاً إلى بضعة رسول الله صلى الله عليه وآله قائلاً:
«متى تكون المرأة أدنى من ربها» فقالت آية العفاف : «أن تلزم قعر بيتها»
إن الحديث عن هذين الدرسين من آية العفاف يحتاج إلى العديد من المقالات حتى يفصل ويوضح بكل جوانبه المعنوية والروحية، ولكنا نكتفي بالقليل من الحديث على قدر استطاعتنا فنقول: إن الحجاب زينة وشرف للمرأة فمتى ألتزمت به كانت في أسمى مكانة وأعز منزلة ونالت بذلك أعجاب الجميع، وأما إذا كانت مبتذلة وعارية فإن المجتمع يزهد فيها، ولا تكون لها أية مكانة في النفوس.
لقد ألزم الإسلام المرأة بالحجاب بمجرد بلوغها سن التاسعة من عمرها بالسنين الهجرية، فأمرها أن تستر جميع بدنها عن الرجل من غير محارمها، وإن اختلف الفقهاء بين قائل بوجوب ستر الوجه أو الكفين وقائل بعدم وجوب سترهما، بينما أجمع العلماء على وجوب ستر وتغطية ما عدا ذلك من جسدها، وقد حدد العلماء شروطاً للحجاب توضح معالمه منها: أن يكون فضفاضاً لا يصف شكل الجسم، وأن لا يكون زينةً في نفسه، وأن لا يكون شفافاً، وأن لا يكون معطراً مطيباً، ونلاحظ حث الإسلام للمرأة وحدها دون الرجل على الحجاب وعلى البقاء في البيت كما ورد عن الزهراء فيما سبق، لتكون هي المتوارية والغائبة عن أعين الرجال، وذلك لأن أكثر دورها وحضورها ينبغي أن يكون في البيت بين أولادها وفي أسرتها وهذا ما نلمسه في سيرة السيدة الزهراء ، فالصلاة مثلاً: يفضل الإسلام للمرأة أن تؤديها في بيتها، في الوقت الذي يعد المسجد أفضل مكان للصلاة بالنسبة للرجل خاصة مع الجماعة، وهذا التفضيل لصلاة المرأة في بيتها أو كما في الحديث الذي يحث المرأة على أن لا ترى الرجل ولا يراها كما مر في قصة الزهراء ، لا يعني به حبس المرأة وعزلها عن مجرى الحياة الإسلامية، بقدر ما يراد به إيجاد عالم خاص للمرأة تنمو فيه نمواً إسلامياً، ونحن نرى تواجد المرأة المسلمة في زمن الرسالة في أدوار مختلفة، منها تجهيز الطعام للجيش الإسلامي، أو معالجة الجرحى والمصابين، كما ورد أن الزهراء قامت بمثل هذه الأدوار، وللمرأة المسلمة دور في الدعوة والتوجيه والإرشاد والجهاد كذلك ’ فمن المعروف ان السيدة الزهراء ومن بعدها ابنتها العقيلة زينب عليهما السلام كنتا تقومان بدور توجيه وأرشاد نساء المدينة، وجهاد الزهراء واضح في مناصرتها للرسول في بداية دعوته ابتداء من الحصار في شعب أبي طالب وانتهاءً بالهجرة، وجهادها لمن اغتصب حقها وحق زوجها بعد وفاة أبيها صلى الله عليه وآله وسلم، وحين خرجت للخطبة في مسجد أبيها للدفاع عن حقها، وبث شكواها وإلقاء الحجة على من ظلمها كانت محفوفة بحجاب عظيم هذه صفته: ”لاثت خمارها على رأسها، وأشتملت بجلبابها، وخرجت في لمة من حفدتها ونساء قومها، تطأ ذيولها «في الدلالة على طول حجابها وساترها حتى يغطي جميع بدنها الطاهر»، حتى دخلت المسجد ونيطت «وضعت» دونها ملاءة «ساتر وحجاب»“، لقد قامت السيدة الزهراء بكل ذلك بإلتزامها بحجابها وعفافها، دون إن يعيق ذلك دورها الرسالي والجهادي والاجتماعي، لا كما يدعيه نساء اليوم بأن الحجاب ومنع الاختلاط المنافي للشريعة يعيق دور المرأة في أداء عملها ودورها الاجتماعي.
أن غياب المرأة عن أعين الرجل يحقق درجة عالية من الحصانة عن الشهوات لكلا الطرفين، باعتبار كون كل منهما رمزاً مطلوباً للطرف الآخر، حيث يكون الغياب للمرأة داخل حجابها وبيتها محقق للغاية التي يرمي إليها الشرع دون ان ينقص ذلك من قيمة المرأة.
أن حجاب سيدة نساء العالمين نور وهداية لكل فتاة فاضلة تريد أن تعيش عزيزة في المجتمع، ومن الأمثلة على شدة عفاف الزهراء وتمسكها بالحجاب أمرت بأن يغطى نعشها الطاهر، فهي أول من غطي نعشها من النساء في الإسلام، حيث قالت :
«إني أستقبح ما يصنع بالنساء، يطرح على المرأة الثوب فيصفها» فقالت لها أسماء بنت عميس يا بنت رسول الله ألا أريك شيئاً رأيته بالحبشة، فدعت بجرائد رطبة فحنتها ثم طرحت عليها ثوباً، فقالت فاطمة : «ما أحسن هذا وما أجمله، إذا مت فغسليني أنتِ وعلي ولا يدخل أحد علي».
من هنا نرى شدة تمسك الزهراء بالحجاب واهتمامها بأدق التفاصيل التي تحفظ للمرأة عفتها وحيائها. فهي مثال المرأة المسلمة المترفعة عن المواد الدنيوية، والصاعدة بروحها وروحانيتها إلى أفق الكمال وسماء العصمة والفضيلة.
لترى المرآة بالإسلام كل ما تطمح إليه من تقدم ورقي وازدهار، فلا تعود تتطفل على المبادئ الدخيلة والأفكار المنحلة المنحرفة، فانتهجاها طريق الزهراء يجعلها شعلة من نور ملائكي وريحانة من عطر سماوي ومدرسة أجيال تنهل من أصفى غدير وأعذب نبع.