الغذامي سياسيا..غيمة لا تمطر معرفة
أشفق على الذين يبالغون في حرصهم على فهم الآخر بوضعه على محك افتراضاتهم المسبقة، وأشفق أكثر حين يتجاوزون مناطق اختصاصهم، ويحاولون تمثل دور الفقيه والقاضي والمؤرخ والسياسي، كما يصنع الأكاديمي عبدالله الغذامي، الذي صعدت الأحداث الأخيرة في المنطقة من رغبته في الاشتباك مع موضوعات السياسة، والدخول في السجالات القائمة حول صراع الهويات الطائفية والعرقية في هذه الجغرافيا العائمة على أنهار من العدوات النائمة.
هذه الرغبة المتأخرة في فهم الآخر «الشيعي» والآخر "الفارسي، كان يمكن أن تكون بابا لاكتشاف التنوع الثقافي بين المذاهب والأعراق، وما انتهت إليه من مشاريع ثقافية وسياسية متغايرة، عبر محطات تاريخية، لا يمكن الجزم بأن العلاقات فيها كانت مستقرة بين الفرقاء، فطالما ظلت مؤسسات السياسة لصيقة بمؤسسات الدين فهنالك ورشة قائمة لانتاج معادلات وعلاقات وتوازنات وأسئلة تؤثر في شكل العلاقة وحدودها بين المختلفين من المذاهب.
بيد أن هذا اللون من القراءة المتأخرة، وهذا اللون من الدوافع المحرضة على القراءة، لن يفضي إلى تحقيق حالة من الفهم المشترك، ولا إلى حالة من الوعي الحقيقي بالفوارق، فهنالك عصبويات وتمركزات تصوغ شكل الاستجابة، وشكل النتائج التي يبحث عنها الباحث هنا، هي قراءة موصلة بحاجة، بمصلحة، ليست بالضرورة من داخل حدود المعرفة والتعارف، لذلك يسهل الانتقاء، وتوليف التفاصيل الصغيرة لانتاج فكرة كبيرة، لا يكبر فيها إلا القلق على الذات تجاه هذا الآخر!.
ما نقرأه من تحليلات تمتد عبر سلسلة من المقالات الانفعالية، لا يلوح بالكثير من العمق للقارئ، وأقول انفعالية لأن كاتبها لا يخفي توتره من حجم الاعتراضات التي تصله من الجانب الآخر، فهنالك بناء ركيك لمادة لا هي محسوبة على التحليل السياسي، ولا هي المنسوبة إلى النقد الثقافي، ولا هي بالتي تريد اقناعنا بفهمها لتاريخ الملل والنحل، فما يقبض عليه الكاتب من شذرات هي حقيقة في أصلها لا يستطيع تسويغها ولا تدعيمها، إلا بنحو تضخيم الكثير من الصور، والتعويم للكثير من المفاهيم.
أتفهم جيدا حجم الارتباك الذي يتركه المشهد الإقليمي المفتوح على كل الاحتمالات، وأتفهم أيضا اشتباك الهويات المستمر على الورق، وعلى الأرض، لكني لا أملك أن أفهم مغامرة باحث أكاديمي بالكتابة بهذا النحو من الركاكة والتسطيح، فأن تكون لاعبا جيدا في ملعبك، لا يعني أن تكون لاعبا جيدا في ملاعب الآخرين!.