الحج ملتقى الثقافات بين الشعوب!
يقول الله تعالى: «وَأَذِّنْ فِي النّاسِ بِالحَجِّ يَأْتُوكَ رِجالاً، وعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَميقٍ. لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ، ويَذْكُروا اسْمَ اللهِ فِي أَيَّامٍ مَعلومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الأَنْعامِ، فَكُلوا مِنْهَا وأَطْعِمُوا البَائِسَ الفَقِيرَ».
أن كل شعب بالعالم يتمتع بحضارة وثقافة خاصة به، وتميزه عن غيره، والحج إلى بيت الله الحرام يستقطب معظم شعوب العالم كل عام، فإذا اجتمعت تلك الشعوب في مكان واحد واستقر بعضها على مر السنين، فسيولد عن ذاك التجمع حراك وخليط لمشهد ثقافي جديد وليد من رحم الثقافات والسلوك والعادات التي جلبوها معهم، وهذا بكل تأكيد له أثر قوي ومؤثر على اللهجة والفكر والثقافة وكل نواحي الحياة.
فالحج معناه القصد، و« الذي لاقصد له، لاحج له »، والحج فريضة تُوجد في الإنسان إذا أدّاها بصدق وإخلاص كثيرًا من مقومات الشخصية الاجتماعية المنشودة للمجتمع الحي الدؤوب، فهي تأخذه أولاً بالتوبة، والتطهر من المآثم والمظالم، وتعلمه الرحلة في سبيل العقيدة، والتعب في سبيل المبدأ، وهي تعلمه أيضًا كيف يلتئم وينسجم مع إخوانه في مؤتمر سنوي ضخم، وقد شرع الله الحجّ ليكون رحلة خالصة مخلصة لوجهه وفي سبيله، تتوافر فيها رياضة الحسّ والوجدان، وحمل النفس على التجرُّد من زينة الحياة، والإقبال بها على طاعة الرحمن، ولذلك كان في الحج انتقال وارتحال، وإعداد للزاد، واحتمال لمشاق السفر وتغير الأجواء، وتجرد من متاع الحياة، حتى في الثياب المألوفة، وإقبال على الله بالحسّ والنفس، والعمل والقول، والذكر والفكر.
إذا فلسفة الحج هو أن يولد الإنسان من جديد، وبهوية إلهية جديدة، وقد خلع ثياب الآثام قبل الحج، ولبس إحرام المساواة كي توجد المواساة، ولكي تصغر الحياة أمام عينيه، ويرى الدنيا على حقيقتها الدنية، وأن لا تغريه بعد عودته إلى حياته الطبيعية، كعملية التطهير الروحية التي تمر على كل إنسان كل سنة، وبعدها يهديه الله « العيد الأكبر » كحفل لنجاح التخرج من رحلة العناء والمشقة والهجرة إلى الله، وإذا لم يتحقق القصد المنشود من الحج، وعاد الإنسان لعاداته وذنوبه التي كان يمارسها، وكأنه لم يحج البتة ورسب في دورة السماء التي سنها الله للأنبياء والبشر.