قصائد نزار قباني « شُوكولاته » تتمتع باستمرارية حلاوتها
إن قصائد نزار قباني « شُوكولاته » تتمتع باستمرارية حلاوتها، لأن الإبداع في اجتماع التضاد. والعذر للسياب، قصائده « نزار قباني »، ليست « شُوكولاتة »، والنشر أو البقاء، أي مقياس يعتريه، إن طبيعة المتلقي الناتجة من الحياة الاجتماعية والتربوية والعلمية، لأي مجتمع، هي من تضع المقياس، تباعًا للذائقة التي تنتج عنها. إن الحكم على مُنجز ما باتساع استمرارية الحياة والكائن البشري، حُكمًا بعيدًا كل البعد عن الحقيقة، وكما يقول الفلاسفة: عدم الإيجاد لا يدل على عدم الوجود. وعليه إن - دروازة - إطلاق الحكم على التاريخ الأدبي لأي شاعر، لا يعدو كونه إلا « دروازة »، يُجمع فيها كل شيء.
إن المتابع - على سبيل المثال لا الحصر -، الفضاء الدرامي، يُبصر اتجاه الدراما إلى إنتاج أعمال تتحدث عن « نزار قباني » كإنسان وشاعر، كأنما تُريد أن تُسطر بأنه أصبح أكاديمية شعرية، لا تنتابها - الشُكولاتة -. ذات يوم كُنت في حضرة متحدث - دكتور في الأدب العربي والنقد -، يقول: إن نزار قباني أخرج المرأة من قُمقم وأدخلها قُمقمًا آخر، هُنا لا نرغب في مناقشة هذا الطرح، لأنه سيأخذ بالمقال ناحية المقام الفارع الإبداع، يُكتفى بالإشارة إلى أن الكثير من الأدباء والنقاد لا يُبصرون « القباني »، ويتناولونه إلا من زاوية « المرأة »، ليبتعدوا نظرًا للبيئة التي تُحيطهم بنوعيتها، حتى تشم رائحة هذه البيئة في الكلم لديهم، في حين أن المجتمعات الأخرى لها جنبة مُختلفة عن ذلك، نتيجة لذاتية البيئة باختلاف أدلجتها.
ذكر الكاتب بداح السبيعي في مقالته بجريدة الرياض - الثلاثاء 1 - صفر -، بعنوان: قصائد نزار قباني: خبز أم شوكولاتة؟!. « قبل ستين سنة تقريبًا سُئل الشاعر بدر شاكر السياب عن توقعه لمستقبل شعر نزار قباني، وهل يتوقع له » الصمود بوجه التاريخ والزمن «؟، فأجاب إجابة ينفي فيها بأسلوب لطيف إمكانية صمود أشعار نزار ويتنبأ بسرعة تلاشيها، وقال في إجابته: » لا أعتقد ذلك، إن شعر نزار أشبه بالشيكولاته تحسه ما دام في فمك، إلا أن طعمه يزول عندما تنتهي من وضعه. وأنا شخصيًا لا أشجع انتشار هذا النوع من الشعر، وإن كان شعر نزار لونًا يحتاج الشعر العربي إليه، إن نزار وحده كاف. فحاجة المرء إلى الشيكولاته ليست كحاجته إلى الماء والخبز، وشعر نزار شيكولاته «!. وعلق الكاتب: استبعد السيّاب بقاء شعر نزار في أذهان الناس لفترة طويلة، لأن الحلاوة التي يشعر بها المتلقي حين يتذوق شعر نزار حلاوة سريعة التلاشي كحلاوة » الشوكولاتة «، والحاجة لها حاجة » كمالية «، ليست في أهمية الحاجة لبعض الشعر الذي تكون الحاجة إليه » ضرورية « وتماثل الحاجة إلى الماء أو » الخبز "!. إنه توصيف تنبؤ لم يُؤخذ فيه تطور الذائقة ولا الحالة الثقافية، وعادة أن الكثير من الأشياء المتعلقة بالعنصر الثقافي والأدبي، يصعب فيها التنبؤ والحكم، لأنها خاضعة لظروف ومسببات، لها تأثيرها الجوهري والنوعي.
قال الكاتب: " المفارقة هي أن شعبية نزار تضاعفت عبر السنوات وزاد تداول قصائده في مُقابل تراجع شعبية السيّاب وخفوت حضور قصائده بين الأجيال اللاحقة، وفي هذا دلالة على صعوبة التنبؤ بالمستقبل الشعري لأي شاعر، فهناك شعراء تحظى قصائدهم بتداول واسع في حياتهم لكنها تموت سريعًا مع موتهم، وهناك شعراء يحدث لهم خلاف ذلك، وهناك من هم أوفر حظًا من الصنفين السابقين وهم الذين تنال أشعارهم إعجاب المتلقين في أثناء حياتهم، ويستمر تداولها والإعجاب بها بعد رحيلهم عن الحياة لقرون طويلة. نعم ما اتجه إليه الكاتب - السيعي -، لهو المنطق بمكان، وهذا ما يُؤكد عدم إمكانية التنبؤ في هذا اللون الكتابي - الشعر -، وإذا ما رجعنا زمنًا أو أزمانًا أخرى، نُبصر أن هُناك شعراء كانوا حاضرون بقوة في المشهد الأدبي، ومع مرور الأيام خفت توهجهم، نتيجة لتغير الثقافة واتجاهاتها ونوعية البيئة الاجتماعية والتربوية، وأنساق ترجمة العاطفة، وطريقة التغني بها وإبرازها.
وبين الكاتب أنه يدفع التشاؤم بعض الشعراء والنقاد إلى المغامرة بالتنبؤ بمستقبل قاتم للشعر أو لأشعار الشعراء الذين يعيشون هذه المرحلة، أو يدفعهم التفاؤل بمستوى شاعر معين للتنبؤ بمستقبل باهر لإنتاجه والحديث عن قدرة قصائده على الخلود في الأذهان، لكن الواقع يثبت دائمًا أن عملية تلقي إنتاج أي شاعر أو أي نص عملية معقدة يصعب التنبؤ بها. وعليه إن المغامرة بالتنبؤ بمستقبل مشرق أو قاتهم لمنجز شعري أو شاعر، مغامرة حماسية احتمالية اصطدامها بالواقع آنية أو مُستقبلاً نسبته كبيرة جدًا. وعليه قد يُؤخذ على « القباني »، بعض تركيباته الشعرية وتصويراته البلاغية، التي لا يُراعي فيها الذائقة أو القيم، إلا أنه تفرد بأسلوبه الشعري ولغته البلاغية، ورؤيته الثقافية والفكرية، وما ألمح إليه « السياب »، أن اللون الشعري لديه « القباني »، الذي وصفه - بالشُوكولاته -، يُكتفى أن يكتبه شاعر ولا يكتبه آخرون، لأنه لا يُمثل الماء والخبز مجازًا. وعليه لربما نُلمح ونُهمس: إن تفرده ليكون وحده من يكتبه، لهو دليل على أن لغته الشعرية تُعتبر من السهل الممتنع. إن المتلقي الذي يُريد قراءة مُنجز شعري أو تاريخ شعري لأي شاعر، ينبغي له أن يُتقن استراتيجية القراءة. لقد أجاد الكاتب بداح السبيعي مقالته: قصائد نزار قباني: خبز أم شوكولاتة؟!، خير إجادة.