سيهات عربة الفتيات المتنقلة تعيد «رنووش» من أدراج الرياح
ما كان ممنوعاً قانوناً واجتماعياً بالأمس القريب أصبح اليوم مقبولاً وقانونياً. ربما هذه سنة الحياة وتطورها، إلا أن يحصل هذان المتناقضان في الموقع نفسه فتلك قصة تستحق وقفة.
ففي كورنيش مدينة سيهات «محافظة القطيف» تعمل الآن ثلاث فتيات في بيع الطعام بعربة متنقلة، بترخيص رسمي وترحيب واسع من كل الفئات الاجتماعية فعلياً وافتراضياً عبر مواقع التواصل الاجتماعي.
وغالبية المتفاعلين رحبوا بالفكرة، وحتى على الصعيد الرسمي؛ حصلت الفتيات على ترخيص من أمانة المنطقة الشرقية، التي قننت هذه النوعية من المشاريع، ومنحت تراخيص لشبان وفتيات، على غرار أمانات أخرى، خصوصاً الرياض وجدة.
إلا أن ما سمح به في العام 2017، كان غريباً وغير مقبول في العام 2004، حينما افتتح مطعم وجبات سريعة باسم «رنووش» في مجمع «واحة سيهات» بحي النمر الجنوبي «يبعد أمتاراً عن الموقع الذي تتوقف فيه عربة الفتيات الثلاث» ووظف فيه فتاتين تتلقيان الطلبات عبر الهاتف.
أغلق «رنووش» بعد أربع ساعات من تسلم الفتاتين عملهما، واقتيد صاحب المطعم إلى التوقيف، وأثار الحادث حينها جدلاً واسعاً. وكانت غالبية ردود الفعل مستنكرة لعمل الفتاتين، معتبرة أن ذلك «لا يتناسب مع عادات وتقاليد المجتمع». ولم يستسلم صاحب المطعم، وحصل على رد رسمي حينها من أمانة الشرقية يفيد بأنه «يمكنه توظيف فتيات إذا ما افتتح قسم عائلات في المطعم».
وعزت الأمانة حينها سبب إغلاق المطعم إلى «عدم حصول الفتاتين على الشهادة الصحية اللازمة لكل من يود العمل في أي مطعم». إلا أن إجراءات الحصول على الشهادة المطلوبة طالت، ما أدى إلى عزوف الفتاتين عن العمل في المطعم، وذهب «رنووش» أدراج الرياح.
وقتذاك لم تكن هناك مواقع للتواصل الاجتماعي مثل «تويتر» و«فايسبوك» و«سناب شات»، بل كانت «المنتديات» نجم تلك الحقبة، وعلق مدون على الموضوع حينها: «الكل يعرف إن هذا الشيء ممنوع ومحرم في عاداتنا وتقاليدنا». وقال آخر: «أنا أعجز عن التعليق على هذا الموضوع، لأنه خارج عن العادات، فمهما كانت الظروف لا بد أخذ الحذر من عمل شيء خارج عن المعقول».
إلا أن ردود الفعل على عمل الفتيات في عربات الأغذية المتنقلة أصبحت الآن مختلفة وذهب في الاتجاه المعاكس. ففي وسم «العربة من حقنا» في «تويتر»، الذي ظهر أواخر شهر كانون الثاني «يناير» الماضي، طالب مغردون بإتاحة الفرصة للمرأة للعمل في عربات الطعام المتنقلة.
ودون المغرد تركي: «طبعاً من حقهن «عمل الفتيات في العربات»، ومنعهن من ذلك هو تعسير للرزق على المرأة وتيسيره للرجل». وسأل آخر: «يعني تبيع في الشارع تحت الشمس ليس اختلاطاً، وتبيع في سيارة مكيفة اختلاط وممنوع؟ ما هذه النظرة الغريبة للأمور؟».
واتجه شبان وفتيات سعوديون خلال الأعوام الثلاثة الماضية إلى تجربة البيع في المطاعم المتنقلة في مناطق سعودية عدة. وتعتبر هذه المشاريع الصغيرة مربحة ولا تحتاج في مرحلة تأسيسها إلى أموال كبيرة، وهو ما يجعلها مناسبة لمن لا يملك رأسمال، إذ باستطاعته الاقتراض، أو تقسيط مبلغ شراء العربة المتنقلة، إضافة إلى بعض الأدوات اللازمة للطهي، إلا أن «العربات المتنقلة» لم تقنن رسمياً إلا قبل أشهر.
وفي شباط «فبراير» الماضي، أكد ممثلون عن أمانة المنطقة الشرقية وبنك التنمية الاجتماعية، أن تراخيص عربات الأطعمة المتنقلة تمنح للمرأة والرجل على السواء بغض النظر عن الجنس، نافين شرط امتلاك مطعم لمنح الترخيص، وأبانوا أن المقصود هو موقع أو محل ثابت للتجهيز.
وحصل 11 شخصاً حصلوا على تراخيص عربات أطعمة متنقلة ولا يمتلكون مطاعم، ولفتوا إلى أن شرط التفرغ يطبق متى ما صدرت الموافقة النهائية، وليس قبل ذلك.
وقدرت مؤسسة «جسر الريادة»، وهي إحدى المؤسسات السعودية التي تستورد قاطرات المطاعم المتنقلة من الصين، حجم الطلب عليها بحوالى 200 مقطورة في العام الواحد، تشمل سعوديين، وخليجيين، وعرب، فيما بلغت نسبة السعوديين منهم 70 في المئة.