العباس(عليه السلام) X ناروتو
هكذا دار الحوار بيننا، أنا وطفل يبلغ من العمر خمس سنين، رأيته مرتدياً قميصاً رُسِم عليه أحد أبطال الكرتون، فسألته بفضول: من هذا؟ وبكل فخر رفع صدره قليلاً، ولوى ساعده مستعرضاً عضلاته قائلاً: (ناروتو).
لست متأكداً إن كان يكتب هكذا أم لا! غير أن المهم أني حين رأيت أمارات البسالة تطفح من جبينه، سألته بمكر: أيهما أقوى ناروتو أم العباس؟ فأجابني ببداهة وبلسان طلق ذلق: ناروتو! فقلت مستغرباً: لماذا؟ فقال: ناروتو يتحول لوحش!! فقلت له: ولكن العباس لديه سيف قوي، ويبدو أن كلمتي الأخيرة كلاسيكية في عالم الطفولة، فلم تخدش مسلماته! وقال غير آبه: لكن ناروتو يسوي كذا ويقتله!!
لحسن حظي كان بجانبي زمرة من الأطفال الغير متعصبين، أعني الغير (ناروتيين)، وسألتهم مستنجداً: من يغلب: العباس أم ناروتو؟ فقالوا، وربما لأن السؤال جاء مني: العباس.
حينها خبا توهجه، وقال بنصف (برطمة): (اثنينهم يتعادلوا!)
هكذا وصلنا لحل وسط بالنسبة له، بينما هذا الموقف يطرح تساؤلاً حرجاً علينا كآباء، وهو كيف قدمنا الحسين وأصحابه لأطفالنا؟!، ما حجم المساحة التي تحتلها قيمنا في أذهانهم؟ ما هي الأدوات التسويقية التي نود أن نسبر بها عالم الطفولة بامتياز؟ أم أننا مازلنا نقدم الحسين للأطفال على منبر وعظي لا يستطيعون فك طلاسمه وفهم تلغيزه.
إننا نرى قنواتنا الشيعية ينطبق عليها ما قاله برنارد شو: (غزارة في الإنتاج وسوء في التوزيع)، حيث تغيب التخصصية في أغلب قنواتنا، ويصبح صغارنا يستجدون المرح والأنس من قنوات في أغلبها تحمل فكراً دخيلاً لا يرتبط بمنظومتنا الفكرية، بل ويتخاصم معها.
الأمر لا ينحصر في القنوات التلفزيونية بطبيعة الحال، بل يتعداه إلى عدم وجود عقلية تجارية تستطيع أن تنشئ علاقة (أربح×تربح) بينها وبين الفئة المستهدفة، فلو تصدت على -سبيل الفرض- شركة أهلية لإعداد تصاميم كربلائية للأطفال، فتفصل أزياءً خاصة بشخصية العباس معها القربة، معززة الإيثار في نفوسهم، وتصميم آخر لطفلة الحسين رقية ومعها سجادة أبيها، وغيرها من التصاميم التي تحلّ عوضاً عن بدلات (سوبرمان، سبايدرمان،...) لدى الفتيان أو (باربي، سنو وايت،...) عند الفتيات، فلا شك لدي أن هكذا مشروع سيجد الربح أولاً، والترحاب ثانياً في مجتمع قاصرة أدواته أو مقصرة عن التعاطي الفعّال مع الأطفال، بينما عقليات دخيلة تسلب عقولهم بجاذبية فاتنة. ولتستوثقوا أكثر، اسألوا أطفالكم أيهما الأقوى: ناروتو أم أبو الفضل العباس؟
الجدير بالذكر، وفي لقاء أخير تم بيني وبين ذات الطفل قال لي بشيء من التحدي: (سوّي أبو الفضل العباس وناروتو ونشوف من الأقوى!).