رواية تتناول المشاكل الاجتماعية في مدينة القطيف تثير اختلاف «مقهى الشرقية»
أثارت الرواية الثانية للروائي السعودي مظاهر اللاجامي (الدكة) الصادرة عن دار فراديس في البحرين موجة من الاختلاف في الآراء بين حضور المقهى الثقافي في نادي المنطقة الشرقية الأدبي مساء الأربعاء المنصرم، ففي حين ثمّن بعض الحضور جرأة المؤلف على المساس بالممنوع نفى البعض الآخر أن تكون الجرأة وحدها كافية لجعل الرواية جيدة، و في الوقت الذي أثنى فيه بعض المناقشين على لغة الرواية التي وصفت بالشاعرية، وجد البعض الآخر فيها لغة مربكة وغامضة، وامتد الخلاف بين الحضور ليشمل تقنيات الرواية التي وصفت حيناً بالحداثة والتجديد وحيناً آخر بالتفكك وعدم الوفاء بتقنيات الرواية.
وتتناول الدّكة (المكان المرتفع الذي يغسّل عليه الموتى) من خلال أبطالها قضايا اجتماعية وأخلاقية وسلوكية مختلفة كالمثلية والاغتصاب و تعاطي المخدرات والتفكك الأسري وتنتهي الرواية بتحول شخصياتها الرئيسية إلى أشخاص مأزومين و انتحار بطل الرواية.
مظاهر اللاجامي في الدّكة بعد بين علامتي تنصيصوكان ابراهيم الشمر أوّل البادئين في التعليق حيث قدّم قراءة قصيرة في الرواية ذكر فيها أن اللاجامي ينطلق من المشاكل الموجودة في الواقع الاجتماعي ويجسد أزمة شخوصه الوجودية، وتعالقهم مع الواقع، وأثناء ذلك يقارب التابوات ويخترقها، وتتسم شخصيات الرواية بالاضطراب والعنف ويعري اللاجامي شخصياته المارقة عن النسق في متواليات من الصدام تكشف القضايا المسكوت عنها، ويسبر خلال ذلك عوالم مدينته القطيف بعذاباتها الممتدة في الزمن وإنسانها المغيب في الحاضر كما في التاريخ. وقال بأن الثيمة الأساسية في الرواية هي التغييب الاجتماعي للأفراد والذي رمزت له الرواية من خلال توظيف الدكة والموت، ووصف تقنية الرواية بأنها شبيهة بروايات تيار الوعي.
ونفى الناقد أحمد سماحة أن يكون أسلوب الرواية قريباً من أسلوب تيار الوعي، ورأى أنّ الكاتب أغرق الرواية في تفاصيل نقاط كثيرة دون أن يعمقها أو يربط بينها ربطاً جيداً، وانتقد ضعف ما أسماه التفاعل بين جميع العناصر في الرواية من أجل الخروج برواية متماسكة. وقال أن الكاتب لم يعمق أبعاد شخصياته، وأكّد ارتباك السرد في الجزء الأول من الرواية بسبب توالي أكثر من صوت في رواية الأحداث داخل الرواية.
وذكر أنّ الرواية صنعت أطراً كثيرة ولم تركز على أحدها، فالقارئ يخرج من إطار ليدخل في آخر قبل أن يكتمل الأول. ووصف الكاتب بالموظِّف الجيد الذي تنبئ روايته بروائي قادم ولكنه ليس باللاعب الجيد الذي يجيد ربط الأطر المتفرقة ببعضها.
وقال أنّ الكثير من الروايات تناولت فكرة الإنسان المطحون والناس المظلومين التعساء ولكن الفارق يكمن في كيفية التناول التي تشكّل جدّة الرواية وتبرر وجودها. وخلص سماحة إلى القول بأن أي رواية لا يمكن أن تخلو من أيديولوجيا لأنّ الكاتب لا يكتب الرواية جزافاً ولكنه يريد أن يوصل فكرة معينة.
ووصف القاص عبد الله الوصالي الرواية بالمربكة ووصف لغتها باللغة الصعبة التي وقعت في التكلف والاعتساف، وقال بأنّ اللغة اضطرته إلى إعادة الجملة لأكثر من مرّة للتماهي مع التشبيه الذي يستخدمه الكاتب، وقال أن اللغة في الرواية وظفت توظيفاً أعلى يطغى على عناصر الرواية الأخرى.
وذكر بأن اللغة الشعرية تناسب الحوار الذاتي (مونولوج) ولا تتناسب مع الحوار في الرواية (ديالوج). ولكنه هنّأ الكاتب على جرأته في تناول الأمراض الاجتماعية التي لن تنزاح عن كاهل المجتمع ما لم يُسلّط عليها الضوء، وقال أن الرواية تحتوي على مفارقة لأن السوداوية والقهر والتجديف يهيمنان على الرواية وشخصياتها بينما أسماء شخوص الرواية كلها ذات طابع إيجابي وديني.
وقال أن الكاتب حاول أن يكون محايداً وأن لا يبدو مؤدلجاً في اتجاه معين، ولكنه صار كمن يمشي على حبل مشدود إذ لم تخلو الرواية من ظهور الأدلجة في بعض الأحيان. وختم الوصالي بالقول بأنّ إيصال صوت المقهورين يمكن أن يتمّ من خلال بيان اجتماعي لكننا أمام رواية يجب تقييمها بمعايير الرواية.
وقال محمد الرشيد أن اللاجامي يمتلك مخزوناً ثرياً من الكلمات والصور التي وصفها بالمفرطة في الشاعرية، و قال بأن الرواية تستعرض المشاكل الاجتماعية لكنها تبالغ في الكآبة وتخلو من المضامين والحكمة، وقال أن الكاتب كان بإمكانه أن يجعل الرواية أفضل من حيث وضوح الأحداث وطبيعة الشخصيات التي كان أكثرها يتسم بالسلبية والشذوذ.
ورأى القاص حسين السنونة أنّ (الدّكة) في الرواية ترمز لأكثر من معنى وبأن البطل في الرواية هو اللغة التي حفّزت الكاتب على المزيد من السرد والكتابة وأن قدرة الكاتب على الوصف تحفز القارئ على مواصلة القراءة. ووصف تقنية الرواية بالجديدة والتجريبية. وذكر أن الرسالة الأساسية في الرواية هي نقد النسيان والذي تمثل في نسيان الأموات والأحياء من أبناء مجتمع الرواية وعدم استثمار طاقاتهم.
وقال أن الرواية تعبّر عن صرخة ألم واعتراض لم تكن موجودة في المجتمع قبل هذا الجيل من الكتاب.
واختلف القاص زكريا العباد مع السنونة في احتلال اللغة لبطولة الرواية، وقال أن البطولة يحتلها الضياع والقلق والصراع والتفكك النفسي والاجتماعي والأسري من خلال شخصيات مضطربة يتناول الكاتب من خلالها ثغرات المجتمع وأزماته، وقال أن اللغة الشاعرية في الجزء الأول من الرواية شكلت ثقلا أبطأ من حركة السرد وقلل من تفاعل القارئ.
واتفق العباد مع سماحة في ضياع الخيط الذي يربط أحداث الرواية وشخصياتها وعدم اكتمال بعض الشخصيات في الرواية، وقال أن رواية الدكة لم تتخلص من هيمنة أجواء رواية اللاجامي الأولى (بين علامتي تنصيص) وأن بعض شخوصها تشكل امتداد لشخصيات الرواية الأولى إلى درجة قد تصل إلى التطابق في بعض الأحيان.