الإدارة المحلية ومستقبل المدن
أشار صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز ولي العهد ونائب رئيس مجلس الوزراء، خلال مشاركته في الجلسة الحوارية مؤخرآ بعنوان ”مستقبل الرياض“ أن التنمية الحقيقية تبدأ من المدن وأن الاقتصاديات العالمية قائمة على المدن، وأن المملكة تستهدف أن تكون الرياض من أكبر عشر مدن اقتصادية في العالم، بحكم أن مدينة الرياض تشكل ما يقارب 50% من الاقتصاد غير النفطي في المملكة وتكلفة خلق الوظائف فيها أقل من 30% من بقية مدن المملكة، وكلفة البنية التحتية والتطوير العقاري أقل من 29 % من بقية المدن في المملكة، وأن ”البنية التحتية في الرياض رائعة جداً بسبب ما قام به الملك سلمان حفظه الله فيما يزيد عن 55 سنة بإدارة مدينة الرياض والتخطيط لها“.
فيا تُرى ماهو النهج الاداري الناجح الذي أوصل الرياض الى هذه المرحلة؟
في كتاب قيِم وممتِع صدر مؤخرآ عن سمو أمين منطقة الرياض السابق، الأمير الدكتور عبد العزيز بن محمد بن عياف، بعنوان ”الإدارةالمحلية والقطاع البلدي“، الرياض انموذجا، استعرض فيه تجربته الثرية كأمين للرياض لمدة خمسة عشر عام تحت إمرة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز، حيث أبرز الأمير الدكتور عبد العزيز شواهدَ وأمثلة كثيرة على الدور الرائد لخادم الحرمين الشريفين في إرساء ودعم أسلوب ”الإدارة المحلية“ مما أوصل الرياض لما وصلت اليه الان.
يهدف منهج الإدارة المحلية إلى زيادة كفاءة الأداء عبر التقليل من المركزية ومنح الصلاحيات والمسؤوليات والاختصاصات للأجهزة المحلية في المدن بعيدآ عن السلطات المركزية مع اقتران هذا الأسلوب بتحقيق السياسات والأهداف والمؤشرات التنموية للدولة، وهي وسيلة إدارية مهمة لتحسين وتطوير فاعلية الأداء بحكم توزيع الأدوار الوظيفية وتقسيم العمل بين المستويين المركزي والمحلي.
وتتميز الإدارة المحلية بأنها تدار من قبل الأجهزة المحلية القريبة من اهتمامات واحتياجات المجتمعات المحلية مما يساعد على رفع وتيرة تنمية المجتمعات المحلية وتطوير اقتصاديات المدن التي يستند اليها اقتصاد الدولة بشكل عام مع احتفاظ الدولة بحقوق الرقابة والحوكمة على هذه الأنشطة بموجب الأنظمة السائدة، ووجود المجالس الرقابية كالمجالس المحلية والبلدية ومجالس المناطق، والتي تُعضد هذا الدور وتُفعل المشاركة من المواطنين وفق لوائح وأنظمة معتمدة.
لاشك إن ما تحقق للرياض بفضل قيادة خادم الحرمين الشريفين، وبفضل تبني منهج الإدارة المحلية، يدعونا للأمل بأن يتم تبني هذا النهج في كافة مدن المملكة عبر تطوير سياسات واجراءات وآليات مؤسسية لتطبيقها في الأمانات والبلديات، ومكننتها لاسيما مع التقدم الرقمي المتنامي في كافة قطاعات الدولة، حرصآ على الشفافية وسرعة الانجاز مع تفعيل وسائل وأدوات الرقابة والمسائلة والحوكمة وعبر إعادة الهيكلة المرجعية المؤسسية الإدارية للبلديات والدفع بها نحو الاستقلالية المالية والإدارية، وخصخصة بعض الخدمات، مما يجعل القطاع البلدي جاذباً لأفكار ومبادرات متطورة، لاسيما أن رؤية المملكة 2030 تسعى عبر أحد أبعادها الى رفع مستوى المعيشة والسلامة لدى السكان، والارتقاء بمدن المملكة لتغدو مدنآ ذكية بخدمات وبنىً تحتية ذات جودة عالية، مما يستدعي ان تكون مقاربتنا لذلك تتطلب العمل بأساليب ادارية متجددة قادرة على مواجهة التحديات، ونفض غبار البيروقراطية والمركزية، وسيشجع هذا الاسلوب بلا شك على التنافس، والتمايز الايجابي بين المدن نحو الافضل، وبالخصوص في مجال تشريعات التخطيط الحضري المستندة غالبآ الى الظروف البيئية والاقتصادية والاجتماعية للمدن والمناطق المختلفة.
وفي هذا الصدد يحذونا الامل بأن تأسيس مركز الملك سلمان للادارة المحلية في جامعة الأمير سلطان في عام 2005 بهدف إجراء البحوث والدراسات وتطوير وتدريب القيادات في الإدارة المحلية بنهج الملك سلمان الإداري، سيكون رافدآ قويآ لهذا التوجه، وسيهئ الارضية المناسبة لتعميم هذا المنهج وتطبيقه، وتزويد المجتمعات المحلية بالكوادر المؤهلة، ولاشك أن هناك من الكوادر البلدية القريبة من شؤون مجتمعاتها المحلية، الراغبة بالاسهام في تنمية مدنها وقراها بعيدآ عن أُتون البيروقراطية لتصبح مدن المملكة في المستقبل القريب، باذن الله تعالى، كما ارادتها الرؤية أنموذجاً ناجحاً ورائداً في العالم على كافة الأصعدة تديرها حكومة فاعلة من خلال مجتمع حيوي، واقتصاد مزدهر، ووطن طموح معطاء بمواطنيه.