الشباب قادة عصر الظهور
إذا كانت الموارد البشرية هي أهم الموارد على الإطلاق في تقدم أي أمة من الأمم، فإن عنصر الشباب هو الأهم من بين تلك الموارد، إذ بمقدار حركته وعنفوانه وتطلعه يحسب عمر الأمة، فإما أن تكون شابة ناهضة، أو هرمة تنتظر لحظة الأفول.
حديثي سيكون في أربعة محاور:
المحور الأول: الشباب في المنظور القرآني:
1 - فقد تحدث القرآن عن الشباب باعتباره يمثل مرحلة القوة والعنفوان، وما يعنيه ذلك من استعداد قوي لاكتساب العلم والمعرفة وتعلم المهارات، وللعطاء أيضا.
يقول تعالى: اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً.
ويقول في آية أخرى: وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا ۚ وَكَذَٰلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ
قال في الميزان: والظاهر أن المراد به الانتهاء إلى أول سن الشباب دون التوسط فيه أو الانتهاء إلى آخره ?الأربعين، والدليل عليه قوله تعالى في موسى ع: «وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوَىٰ آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا»: القصص: 14 حيث دل على التوسط فيه بقوله: «َاسْتَوَىٰ»، وقوله: «حَتَّىٰ إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ» الآية: الأحقاف: ۱۰ فلو كان بلوغ الأشد هو بلوغ الأربعين لم تكن حاجة إلى تكرار قوله: «بَلَغَ».
2 - كما تحدث عن الشباب، وكونهم أسرع الناس لقبول دعوة الخير، والإقبال عليه:
يقول تعالى: فَمَا آمَنَ لِمُوسَىٰ إِلَّا ذُرِّيَّةٌ مِّن قَوْمِهِ عَلَىٰ خَوْفٍ مِّن فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِمْ أَن يَفْتِنَهُمْ.
أي ما آمن لموسى قبل أن يلقي عصاه سوى الفتية والشبان، كما يقول جمع من المفسرين.
ومن هنا عاب قوم نوح عليه أن أتباعه هم من فئة الشباب وليس الشيوخ، يقول تعالى على
لسانهم: وَمَا نَرَاكَ اتَّبَعَكَ إِلَّا الَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلُنَا بَادِيَ الرَّأْيِ
في تفسير الأمثل يقول: وإنما سموهم ب «بادي الرأي» أي الذين يعتمدون على الظواهر من دون مطالعة ويعشقون الشيء بنظرة واحدة، ففي الحقيقة كان ذلك بسبب أن اللجاجة والتعصب لم يكن لها طريق الى قلوب هؤلاء الذين التفوا حول نوح لأن معظمهم من الشباب المطهرة قلوبهم الذين يحسون بضىياء الحقيقة في قلوبهم، ويدركون بعقولهم الباحثة عن الحق دلائل الصدق في أقوال الأنبياء وأعمالهم.
3 - وتحدث عن الشباب أيضا بأنهم أكثر إقداما على فعل ما يريدون، فإذا تم توجيه طاقاتهم بالاتجاه السليم، فإنهم سيكونون أقدر من غيرهم على صنع التغيير. يقول تعالى: قَالُوا سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقَالُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ.
فإبراهيم كان شابا، ولكنه قاد التغيير في مجتمعه.
المحور الثاني: الشباب في توجيهات وممارسات أهل البيت :
فقد اهتم أهل البيت بالشباب أيما اهتمام، نظرا لأهمية هذه المرحلة وضرورة استثمارها خير استثمار: فعن رسول الله : شيئان لا يعرف فضلهما إلا من فقدهما: الشباب، والعافية.
فأولى أئمتنا الشباب عنايتهم الشديدة، وحرصهم على تربيتهم خير تربية، مع التركيز على جانب العلم أولا، مع عدم إهمال الجوانب الأخرى.
هذا التركيز منطلق من قوله تعالى: «قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ ۗ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ»:
ونذكر هنا بعض نماذج الاهتمام:
ففي الرواية: دعا الحسن بن علي بنيه وبني أخيه، فقال: يا بني وبني أخي إنكم صغار قوم يوشك أن تكونوا كبار قوم آخرين فتعلموا العلم، فمن لم يستطع منكم أن يرويه أو يحفظه فليكتبه وليضعه في بيته.
وعن الباقر قال: كان زين العابدين إذا نظر إلى الشباب الذين يطلبون العلم أدناهم إليه، وقال: مرحبا بكم، أنتم ودائع العلم، ويوشك إذ أنتم صغار قوم أن تكونوا كبار آخرىن.
الإمام الباقر : لو أتيت بشاب من شباب الشيعة لا يتفقه [في الدين] لأدبته.
وعن الإمام الصادق : لست أحب أن أرى الشاب منكم إلا غاديا في حالين: إما عالما أو متعلما، فإن لم يفعل فرط، فإن فرط ضيع، فإن ضيع أثم، وإن أثم سكن النار والذي بعث محمدا بالحق.
وعن يونس بن يعقوب «في رواية طويلة» يقول: كان أبو عبدالله قبل الحج يستقر أياما في جبل في طرف الحرم في فازة له «أي في خيمة صغيرة» مضروبة قال فأخرج أبو عبيد الله رأسه من فازته فإذا هو ببعير يخب فقال هشام ورب الكعبة قال فظننا أن هشاماً رجل من ولد عقيل كان شديد المحبة له
قال فورد هشام بن الحكم وهو أول ما اختطت لحيته وليس فينا إلا من هو أكبر سناً منه «كان فيهم بحسب الرواية حمران بن أعين، وهشام بن سالم وقيس الماصر، ومؤمن الطاق محمد بن علي بن النعمان»
قال فوسع له له أبو عبد الله ع وقال ناصرنا بقلبه ولسانه ويده.
وإذا باهي الإمام الصادق أصحابه بالشاب هشام بن الحكم، فإن في ذلك تأسيا بفعل الله تعالى مع الشباب أيضا، ففي الرواية عن رسول الله إن الله تعلى يباهي بالشباب العابد الملائكةن يقول: انظروا إلى عبدي! ترك شهوته من أجلي.
المحور الثالث: دعوة أهل البيت المتصدين للشأن الاجتماعي والثقافي للتركيز على الشباب:
وأكتفي هنا بذكر روايتين:
الأولى: عن الإمام علي : إنما قلب الحدث كالأرض الخالية، ما ألقي فيها من شيء إلا قبلته.
الثانية: سأل الإمام الصادق - مؤمن الطاق -: أيت البصرة؟ قال: نعم، قال: كيف رأيت مسارعة الناس فى هذا الأمر ودخولهم فيه؟ فقال: والله إنهم لقليل، وقد فعلوا وإن ذلك لقليل، فقال: عليك بالأحداث، فإنهم أسرع إلى كل خير.
المحور الرابع: الشباب فى عصر الظهور:
ففي غيبة النعماني والطوسي نقرأ الرواية التالية: عن حكيم بن سعد، عن أمير المؤمنين
قال: أصحاب المهدي شباب لا?هول فيهم إلا مثل كحل العين والملح في الزاد، وأقل الزاد الملح.
هذا عن أنصار الإمام . أما هو فقد وردت أكثر من رواية تبين أنه يخرج شابا:
فعن أبي عبد الله أنه قال: ”لو قد قام القائم لأنكره الناس، لأنه يرجع إليهم شابا موفقا لا يثبت عليه إلا من قد أخذ الله ميثاقه في الذر الأول“.
وعنه أيضا: أنه قال : ”وإن من أعظم البلية أن يخرج إليهم صاحبهم شابا وهم يحسبونه شيخا كبيرا“
وعنه في رواية ثالثة: ثم يغيب غيبة في الدهر ويظهر في صورة شاب موفق ابن اثنين وثلاثين سنة، حتى ترجع عنه طائفة من الناس، يملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملئت ظلماً وجوراً.
وعن الإمام الرضا : وإن القائم هو الذي إذا خرج كان في سن الشيوخ ومنظر الشبان، قويا في بدنه حتى لو مد يده إلى أعظم شجرة على وجه الأرض لقلعها، ولو صاح بين الجبال لتدكد?ت
صخورها، يكون معه عصا موسى، وخاتم سليمان عليهما السلام، ذاك الرابع من ولدي، يغيبه الله في ستره ما شاء، ثم يظهره فيملأ [به] الأرض قسطا وعدلا كما ملئت جورا وظلما.
إذن يخرج صاحب الأمر في صورة شاب، وتكون الغالبية العظمى من أنصاره من الشباب.
لذا فإن هذه المناسبة العظيمة تمثل دعوة لكل العاملين في الحقل الديني أو الاجتماعي أو الثقافي لإيلاء هذه الفئة معظم اهتمامها، وتشييد برامج متقدمة تخاطب الجيل الشاب ووعيه، وتستنفر طاقاته في كافة
مجالات الخير، علما وعملا ووعيا وأخلاقا ليكون هو الرائد نحو التقدم، وليتأهل بالفعل للانضمام إلى أنصار الإمام صاحب الأمر عجل الله تعالى فرجه الشرىف.