أسرار التعلق بالكتب
تعود أسباب رفض البعض لإعارة كتبهم «أو بعضها على الأقل» إلى تكون علاقة بين صاحب الكتاب والكتاب نفسه تتمظهر في عدة أشكال منها الاحتفاظ به قريبا من ناظريهم على الدوام واصطحابه معهم عند السفر حتى بعد الانتهاء من قراءته.
ويقوم بعضهم بشم صفحات الكتب المحببة إليه كما يفعل مدمنو المخدرات لكن مع فارق الدوافع والأهداف. وليس من قبيل المبالغة أو الأوهام أن يشتاق بعض القراء لكتبهم أو لكتب معينة وذلك لأن للكتب رائحة تنبعث منها نتيجة التفاعل الحاصل بين الورق والحبر والصمغ مع الضوء والحرارة التي تنتج عنها جميعا روائح خاصة تختلف من نوعية معينة من الكتب إلى أخرى.
وعندما ترتبط هذه الروائح بمضامين بعض الكتب «حالات فرح أو حزن أو تفاعل من نوع ما أو حصيلة معلوماتية كبيرة أو تقاطعها مع حالات نفسية معينة لدى القارئ»، فإن مجرد تصفحها أو تقريبها من الأنف في وقت لاحق يستدعي جملة من الذكريات عن هذه الكتب، تماما كما تستدعي روائح بعض العطور ذكريات أيام الوصال لدى بعض العشاق، وكما حصل في التجربة الشهيرة للباحث بافلوف التي أجراها حول ردة فعل الكلاب على صوت الجرس وتقديم الطعام له وسيلان لعابه عند مجرد سماع صوت الجرس فيما بعد. ولذلك فإن هذه النوعية من مالكي الكتب لا تستطيع إعارة كتبها للآخرين لما قد يتسبب به ذلك لهم من كآبة أو حالة نفسية سيئة، أو أنه لا يعير من كتبه إلا ما يريد التخلص منها.
كما يصاب بعض هؤلاء بحالة أشبه بإدمان النظر إلى أغلفة الكتب التي يحبونها، وقد يقومون بشراء جميع طبعات كتاب ما في حال حصول بعض التغيير في المحتوى أو حتى تغير أغلفتها. وأتذكر شخصيا أنني كنت في فترة دراستي في جامعة البترول والمعادن أشتري قاموس المورد للغة الإنجليزية لمساعدتي في فهم بعض المفردات العلمية الجديدة، لكن ما أعتبره غريبا الآن هو قيامي بشراء الطبعات الجديدة للقاموس كل عام رغم أن الإضافات عليها كانت بسيطة للغاية، مع الاحتفاظ بالطبعات القديمة والتي لا أزال احتفظ بها جميعا لحد الآن، كل ذلك لوجود علاقة خاصة بذلك الكتاب.
يقول الكاتب أناتولي بروبارد: اللحظة التي أعير فيها كتابًا لأحد يبدأ اشتياقي إليه. والكتاب الغائب عن الرف يصبح فجأة أكثر أهمية من جميع الكتب الموجودة. يذهب عقلي مباشرة للفراغ الحزين على الرف. طمأنينتي تحطّمت، توازني اختل، تأثيري أصبح مشوشًّا حتى يعود كتابي إليّ. ويقول أيضا: لا يفهم الأصدقاء ما أمر به حين أعيرهم كتاباً. لا يفهمون أنني أفكر في نفسي وكأنني أعطيهم الحب، الحقيقة، الجمال، الحكمة، والعزاء أمام الموت، ولا أظنهم يعلمون أنني أشعر حيال إعارتي لكتبي كما يشعر معظم الآباء حين تغادر بناتهم للعيش بعيداً عنهم. ولكن هذا لا يعني أنه لا سعادة في إعارة الكتب، كل رجل لديه رغبة في مشاركة كتبه. وعندما يهزني كتاب ما، أتمنى لو أستطيع وضعه في جيب كل من أعرف. إذا انتشر كتاب مثل هذا بين أيدي الناس، سيصبح العالم أفضل، سيصبح مكاناً أجمل.