بقايا امرأة
محدودية المكان والزمان لم تقيد حرية أمل وليالي في الإبحار في شواطئ الماضي الدفين .
سلمت أمل وجلست بالقرب من ليالي .
لم تعرف أمل ليالي .
رغم العلاقة الحميمة التي كانت تربط بينهما في سنوات الطفولة المبكرة .
لكن ليالي عرفت أمل من إشراق روحها ومبسمها الطفولي .
ردت ليالي على أمل بكل حرارة وترحيب لترتسم على وجه أمل الغرابة والاستنكار!!! والسؤال ???
هل تعرفينني ؟
قالت ليالي : نعم .
أنت برعمه متفتحة تنثر العطر, وفي كل زاوية لها بصمة , وكل حكاية لها فكرة.
أنت صاحبة اليد الكريمة , عطاء بلا حدود , حتى مع ناكثي العهود.
زرعت اسمك على الرمال , وخُط على أمواج البحار, ونقشتيه على الصخور , وتسامى مع السحاب .
تسمع أمل جواب ليالي .
ويشرد عقلها ويفقد لسانها الكلمات وتبرز عينيها نحو ليالي .
تواصل ليالي حديثها مع أمل , لتزيد من شرود عقلها .
وتقف ليالي عند شاطئ الطفولة .
تحدث أمل عن طفولتها , وعن الرابط القوي الذي كان يربط بين أمل وأعز صديقة لديها وهي : ليالي التي لم تعرف أمل معاني وجهها .
أخذت ليالي أمل إلى سنوات الطفولة , إلى اللعب والمرح والشخصيات التي كانت أمل تتقمصها في أثناء اللعب بالعرائس .
عن حبها الكبير, واليد التي كانت تمسح دمعة يتيم , ونظرتها الحاذقة التي تقرأ قسمات الوجه وتتعرف على معانيه وما يحمل صاحب الوجه من فرح أو حزن أو ألم .
عم الأركان الأربعة صمت في ظاهره .
وعم الصراخ وعلا النقاش في عقل أمل وكذلك وليالي .
وتصرخ أمل في داخل كيانها من هذه ؟
ومن أين حصلت على أدق تفاصيل حياتي ؟
هل هي : مها لا . لا .
علاقتها مع أقرانها بسيطة جدًا , وهي تفضل العزلة والوحدة دائمًا .
إنها منال لا . لا .
منال جاورتنا شهر ثم رحلة إلى منطقة أخرى .
إنها . إنها .
أما ليالي فالصراع الذي كان في عقلها المشلول كاد يقتلها .
كيف لم تتعرف عليَّ أمل ؟
هي : الحاذقة التي كانت تقرأ أفكاري وخواطري من قسمات وجهي .
هل تبدلت ملامحي إلى درجة لم تستطيع أمل التعرف عليها .
أبحرت ليالي إلى وسط البحر بأفكارها وغاصة في أحزانها التي كسرت شبابها , وأحرقت قلبها على فلذة أكبادها , ومشوار حياتها الذي تعثرت فيه وأدمى جميع جسدها .
يحق لأمل ألا تعرف ليالي , فأنا مثل أسمي ليل مظلم حتى مع إشراق الشمس , وجسد محطم أشبه بالخيال .
وأخذت ليالي تعدد محاسنها التي أبلتها هموم الأيام , وغدر الشريك , وفقد الأحباب .
كل معاني جسمها تغيرت بتواتر الأحزان .
شعر أحترق بعد السواد , وعيون غارت من كثرت البكاء على فراق الأولاد , وأخاديد حفرت على الوجنتين من سيلان أنهار الدموع , وأقدام لم تعد تستطيع أن تصلها إلى أقصر طريق .
تعبت وهي تبحث عن الأولاد لعل النظر إليهم يعيد لها بصر العين.
أما أمل فسفينة أفكارها جرفتها إلى شاطئ ليالي وقالت عند صخور الماضي . هل هي ليالي ؟؟؟
لا . لا.
ليالي الآن في نهاية العقد الثالث , أما هذه المرأة فهي شارفت على الستين , أو أكثر .
حققت النظر إلى ليالي .
وكسرت الصمت الخارجي ليالي وقالت : أنا الآن أحمل معنى أسمي قلبًا وقالبًا .
أشارت أمل إلى ليالي بالصمت وقالت : أمل في داخل نفسها أنها ليالي .
لكن السنوات القليلة التي باعدت بيننا قد ضاعفت في عمر ليالي أضعاف مضاعفة .
أي حزن ؟؟؟
أي جروح شوهت محاسنكِ ؟؟؟
أي ألم تحملين بين ضلوعكِ ؟؟؟
أي نار تلتهب في قلبك ؟؟؟
أي آهات حطمتك يا روح الطفولة ؟؟؟
وأعادت ليالي السؤال على أمل .
هل أنطق باسمي .
قالت أمل : في عقلها أنت ليالي في شهادة الميلاد .
ويعلو صوت الممرضة مناديًا أمل دوركِ في الدخول على الطبيبة .
تقبض أمل على مقبض الباب وتنظر إلى ليالي .
وتبتسم دموع ليالي , وترقص آذانها فرحًا لأنها سوف تسمع اسمها المدلل من أمل ليلولة .
وصاحت دموع أمل أنت
بقايا امرأة !!!