النظام الاجتماعي وممارسة الحقوق
الفرد هو اللبنة الأساسية في النظام الاجتماعي، وذلك يتطلّب منه أن تكون علاقته بمن حوله علاقة تفاعل بين طرفين، أي إنّه يجب تحقيق موازنة متبادلة له وعليه، وهذا يعني أن يتمتّع بالحقوق التي له، ويؤدّي الواجبات التي عليه. إنّ مفهوم الحق والواجب متلازمان في جميع الأنشطة الاجتماعيّة والسياسيّة في حياة الفرد، فبقدر التزامه بواجباته يضمن حصوله على حقوقه، فالحقوق ترفع من قدر الفرد وحريته، والواجبات تعبّر عن احترام الفرد لحريته وحرية الآخرين. يقوم النظام الاجتماعي على عدة أركان:
1 - تنظيم علاقات الناس في شؤونهم كافة.
2 - تنظيم علاقات الحاكمين بالمحكومين.
3 - تنظيم علاقات الدولة أو المجتمع بالدولة الأخرى أو المجتمع الخارجي.
إن ممارسة الأفراد حقوقهم المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية، لا يتم إلا من خلال توفر ضمانات تحفظ هذه الحقوق، فالفرد لا يشعر بحقوقه في المجتمع من دون أن تكون هناك ضمانات أساسية لحماية هذه الحقوق.
ويمكن القول بكل سهولة إنه لا قيمة ولا أثر للنصوص الحقوقية والقانونية إذا لم تتوفر لها البيئة والارضية التي تجعلها قابلة للتطبيق والازدهار، تماما مثل الحبة التي لا يمكن لها أن تتفتق وتزدهر في غياب مقومات النمو، من تربة صالحة، وماء صالح، وهواء وضوء، ورعاية. والبيئة الصالحة لإرساء حقوق الانسان وازدهارها تتمثل في وجود النظام الاجتماعي والنظام الدولي اللذين يكفلان هذه الحقوق ويرعيانها، والنظام الاجتماعي هو البيئة التي توجد في بيئة أوسع وأشمل وهو النظام الدولي.
والنظام الاجتماعي يبدأ من الفرد، لأنه يؤثر في المجتمع ويتأثر به، ومن هنا فصلاح الفرد يعني صلاح اللبنة الأولى من المجتمع، وخلاف ذلك صحيح. وإذا علمنا الرابطة بين حقوق الانسان والفرد نفسه أدركنا تأثيره في مسيرة حقوق الإنسان. ولذا فان صياغة الفرد صياغة حسنة تمثل الركيزة الأولى على طريق نظام اجتماعي عادل حيث تصان وتحفظ فيه مبادئ حقوق الإنسان، ويتمتع بها الإنسان فردًا أو جماعة.
وبعد الفرد تأتي الأسرة، باعتبارها الخلية الاجتماعية التي يتربى ويتعلم فيها أفراد المجتمع. ولا ترديد في أن الأسرة بصورتها الجماعية - كما الفرد - تؤثر في المجتمع، وتتأثر به، الحقوق، فان القائمة تقوم على ذلك النظام الذي يتعارض مع فلك القطب، ولا يدور فيه، أو يتعارض مع مصلحة القطب بصورة عامة أو ربما خاصة.. وعكس ذلك صحيح، وهكذا الحال بالنسبة إلى المسألة الحقوقية.
وهكذا فإن ضمان وكفالة حقوق الإنسان وحرياته المشروعة لا تكفل إلا بكفالة الحق في التمتع بنظام اجتماعي يقوم على العدالة، وعلى التزام الحقوق والواجبات من قبل كافة الأطراف، ووضع مصلحة المجتمع فوق أي اعتبار، وعلى حفظ حقوق الدول والمجتمعات القائم على رعاية الأخلاق والمبادئ الأخلاقية. قال تعالى: ﴿وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الْأِثْمِ وَالْعُدْوَانِ﴾ المائدة: 2.
لذلك تلك الحقوق التي يتمتع بها الفرد هي حقوق عالمية لا يجوز التهاون أو الاستخفاف بها أو إلغاؤها، وتمّ تحديد ملامحها من خلال المواثيق الدولية التي جسدت الجهود البشرية، لإيقاف الظلم والمعاناة التي لحقت بالإنسان من أخيه الإنسان خلال الحروب والنزاعات، كما وتُعدّ الحقوق أبسط الأشياء التي يبحث عنها الإنسان أينما وجد، كحقّه في العيش بأمان في بلده، حيث يجب أن يكفلها المجتمع والقانون للمواطن. ومن هذا المعنى يكون دور الفرد الإسهام في جعل البيئة الاجتماعية قابلة لتطبيق الحقوق المدنية من خلال إشاعة ثقافة الإصلاح وفكرة التعاون الإيجابي.