المشاركة في الحياة الثقافية
التفاعل الاجتماعي والمشاركة في الحياة الثقافية، أمرا ضرورياً لأبناء المجتمع في خلق حالة الوعي، وما نراه في مجتمعنا من حراك ثقافي، يسجّل لوزارة الثقافة وهيئاتها الأحد عشر دليلا على الاهتمام بالثقافة في مختلف ميادينها ومجالاتها.. ولعل المبادرات المتعددة الأوجه التي تطل علينا هيئة الأدب والنشر والترجمة بين الفينة والأخرى في الجوانب المختلفة تحي هذا الحراك وتربط الثقافة بالمجتمع عبر هذه المشاريع التي ترسخ أهمية الثقافة والفكر لدى المواطن. ولأن الثقافة لها دور كبير في التعليم والتعلّم والتمكّن من العلوم والفنون والآداب، والفهم السريع والادراك، والتقويم والتسوية والتهذيب وبناء مجتمع حيوي فاعل يساهم في تطوير وتنمية الوطن.
ومع وضوح الأطر والمقاييس، التي تتفق مع المفهوم للثقافة، فقد نشأ جدل واسع بين المثقفين عموما - والعرب منهم بصورة خاصة - حول تعريف الثقافة، حتى تعددت وتكاثرت تعاريفها. فهناك من اكتفى بالجانب المعنوي في تعريفه الثقافة، ومنهم من أعطاها مفهوما شاملا للجانب المادي والمعنوي، وهو ما ينطبق على الحضارة، وهناك من عرفها بنوعين: عضوية، وتقليدية، وركز بعض المفكرين على المعنى الأنثروبولوجي للثقافة، وركز آخرون على المعنى الانساني الرفيع، كما رأي بعضهم بأنها الطريق النموذجية التي تحتذي بها الجماعة. وعرفها بعضهم بأنها النشاط والإنتاج الفكري والروحي الذي ينجزه أناس متميزون لكونهم نشيطين ومنتجين في هذا الحقل، انهم المثقفون.
ومهما تعددت التعاريف للثقافة فإنها تنطوي على ثلاثة أبعاد أساسية: البعد المعرفي أو العلمي والبعد الأخلاقي أو التهذيبي، والبعد السلوكي، وهذا ما ينبغي أن تكون عليه الثقافة. وبفقدان الثقافة لهذين البعدين تفقد مقوماتها الأساسية كثقافة، ولا يطمئن لها في التبني والسير عليها.
إن الثقافة التي لا تعطي معرفة للإنسان هي جهل وليست ثقافة وتلك المعرفة ينبغي فيها أن تكون نافعة وفي صالح الانسان بالمعنى الحق والمشروع للمصلحة. كما أن الثقافة التي تفتقد البعد الإنساني الأخلاقي والتهذيبي، ومثل ما نراه حاليا ما يطرح من قبل الإعلام الغربي بادعاء حرية التفكير والحرية الشخصية بنشر أفكار مسمومة لا تناسب الفطرة الإنسانية، هي ثقافة خطرة يخشى منها على الانسان، خصوصا إذا أدركنا العلاقة بين الثقافة والسلوك الإنساني، وتأثير الثقافة في السلوك. كما أن الثقافة التي لا تعود على الانسان بالنفع والمصلحة المشروعة في حال تطبيقها كسلوك، لا يمكن وصفها سوى أنها ترف ثقافي. ويرتبط مفهوم الثقافة بمفهوم العلم من حيث إن الأولى ينبغي أن تسير على طريق العلم النافع الذي هو بدوره يقوم على الابعاد الثلاثة المذكورة، وألا تتخلى عنه.
والثقافة كمعرفة وتهذيب يمكن تقديمها - والمشاركة فيها - بطرق ووسائل متعددة، منها على سبيل المثال: الاعلام المباشر، والتعليم المباشر الذي هو التلقي المباشر من الاستاذ مباشرة أو عبر وسيلة إعلامية، والادب بألوانه المتعددة من شعر ونثر، والنثر بأنواعه، من المقالة والقصة والرواية والمسرحية، ومن وسائل التثقيف: المسرح حيث يعتمد في ابراز المادة الثقافية على الصورة والحركة والضوء، والسينما، والفنون المختلفة، كالفن التشكيلي وغير ذلك. ومهما تعددت الوسيلة او الاسلوب أو الصورة او اللون الذي تقدم وتعرض فيه المادة الثقافية والمعنى الثقافي، فان الثقافة لا بد لها من أن تراعي الأبعاد الثلاثة المتقدمة «المعرفة والتهذيب والسلوك»، لكي تكون بحق ثقافة جديرة بالاتباع.
وحق الإنسان في المشاركة الحرة في الحياة الثقافية للمجتمع، أمر ضروري لتقدم وتطور المجتمع.