نحن.. كلمة كريمة
أخبرني زميل يعمل في أحد أشهر متاجر المجوهرات عن لعبة الأحجار الكريمة. قال ان بعض الحجارة هي أغلى من بعضها وان تساوت في الحجم والنقاء والنوعية.
السبب هوأن ماهو حي منها يكون أعلى ثمناً. استغربت من هذه الفلسفة وسألت الزميل: وهل هناك حجر ميت وآخر على قيد الحياة؟
أجاب بكل ثقة: نعم.وأضاف بثقة أكبر: الحجرالذي يدخل البهجة الى نفسك يكون على قيد الحياة، وأما ذاك الذي يسعدك اقتناءه فقط من دون أن يدخل السرور الى قلبك فهو حجر ميت لايملك أكثر من شكل براق.
بصرف النظر عن دقة مقالة الأخ الزميل وقصة أحجاره ، فقد راقتني الفكرة.
اذ وجدت أنها شديدة الشبه بالكلمات التي تصدر عنا، بعضها حي، وآخر ميت.
كثيراً ما تدخل عبارات جميلة في مفرداتنا فنستخدمها من دون أن نقصد معناها.
نسأل عن أخبارانسان من دون أن يهمنا في الواقع كيف هو ..
نخاطبه بكلمة عزيزي ، أو حبيبي، أو صديقي الغالي، من دون أن يكون عزيزاً علينا أو حبيباً أو صديقاً غالياً .
مثل هذه الكلمات ميتة ومتعفنة أيضاً.
فهي كالحجر الكريم الذي قال عنه صديقي، جميل في مظهره ، لكنه غير قادرعلى ادخال السرور الى النفس.اسمه كريم، لكنه أقل من يكون نصف كريم حتى .
يبدو أن الكلمات الميتة كثيرة في حياتنا، وأكثرمن تلك التي تنبض بالحياة.
حتى بين الصديقين المقربين،أوالزوجين،تكاد تسمع الكلمات الميتة ذاتها تتكرر..
نعتقد أن الآخر يسر بها، أو يرضى بها ، أو يصدقها.. لكن النفس البشرية ليست في حاجة الى دليل يخبرها أي الكلمات ميتة وأيها مليئ بالحياة، فالتي تنساب الى نفوسنا وتشعرنا بالسعادة هي تلك التي تأتي عميقة وبسيطة وحتى هامسة فتجعل من كل حرف واحد حياة كاملة.
الحياة والموت ليسا ناموس الكائنات الحية وحدها،فكل ماحولنا هو كائن حي ولو لم نستشعر بأنفاسه او حركاته .
بالمثل هي الكلمات .. بل هي الكلمات كائنات حية اكثر من نصف البشر أنفسهم.
فما يجعلنا بشراً..ما يجعلنا كائنات كريمة..ليس البريق الذي يظهر منا، ولا الثمن الغالي الذي نعتقد أننا هو ،بل هي الكلمات التي تصدرعنا.
نحن أحجار كريمة، لنا ذات الحجم والنوعية واللون، لكن كم حجرا منا قادرعلى ادخال البهجة في نفوس الاخرين؟ كم حجرا منا حي وكم هو الميت فينا؟