شوقي بزيع يسحر الجمهور بشعره ونثره
في ليلة فريدة على مسرح إثراء بالظهران، عرّج الشعر لسدرة منتهى المجاز في أمسية الشاعر العربي الكبير شوقي بزيع حيث حل ضيفا على ملتقى ابن المقرب الأدبي بالدمام ضمن برنامج شراكة بين الملتقى وإثراء، حيث كانت الآذان مرهفة أسماعها لحديثه الشائق في شقيه النثري والشعري.
ومن اللافت أن المحاور الأستاذ عبداللطيف بن يوسف كان محيطًا بتجربة الضيف؛ وقد ضرب على أوتار حسَّاسةٍ ليستخرج ما بجعبته من الدهشة والجمال، فنجح نجاحاً باهراً تشهد على ذلك أريحية اللقاء وتفاعل الجمهور، ومما يشار إليه ويستحق التوقف عنده أن هذا الشاعر الجميل قارئ نهم للكتب حيث قرأ آلاف الروايات؛ مما أثمر ذلك إبداعه في الكتابة شاعرا وناثرا؛ فضلاً عن مقالاته النقدية والثقافية والأدبية والفكرية، كذلك له رؤية شعرية لا يمكن إدراكها إلا بسعة الوعي وعدم حصرها في إطار المعرفة المتوارثة لأن الحقيقة الأدبية حمَّالة أوجه.
أُسر شاعرنا البزيع بشخصيتين قرآنيتين فوظفهما في شعره: الشخصية الأولى شخصية يوسف وكتب قصيدة «قمصان يوسف.. قميص التجربة والشهوة والرؤية»، والشخصية الثانية مريم.
ومما صرَّح به أنه ندم على ثلث شعره، وعن ديوانه «صراخ الأشجار» قال: كُتبَ ليُقرأ لا ليُلقى على المنصات، وبأن محك الشاعر هو نثره.
ومما ذكره في معرض رؤيته لأنماط الشعر بأن القصيدة القصيرة أصعب من كتابة القصيدة الطويلة بكثير.
وقال عن قصيدته «لصان» إنها مظهر من مظاهر إيمانه بالمثنى الذي أسَّسَ قواعده امرؤ القيس ب «قفا نبكِ».
ومن الأمور التي لفت الانتباه إليها قوله: «نحن لا نتنافس على موقع شاغر بين الشعر والرواية فلا هو زمن الرواية كما يقول جابر عصفور، ولا هو زمن الشعر كما يقول أدونيس، بل لكل فن مكانة تليق بإبداعه،
ولا فرق بين قصيدة الشعر وقصيدة النثر فلكل أسلوب جمال ورونق خاص به.
وما أروع ما ختم به الأمسية بقصيدة «البيوت فراديسنا الضائعة».
ومما ألقاه الشاعر من نصوصه:
من نص «البيوت»:
«البيت هو ركننا في العالم» غاستون باشلار
البيوت طيور تزقم أفراخها لوعةً كلما ابتعدوا
عن
حديد شبابيكها المائلة
والبيوت جسور الحنين التي تصل المهد باللحد، ريش المغامرة الأم،
طين التكاثر،
سر التماثل بين الطبيعة والطبع،
بين الجنازة والقابلة
والبيوت سطور
يؤلّفنا بحرها كالقصيدة
بيتًا
فبيتاً
لكي نزن الذكريات بميزانها كلَّما انكسر اللحنُ
أو تاهت البوصله
والبيوت جذور
تعود بسكانها دائماً
نحو نفس المكان الذي فارقوه
ومن نص «رقصة سالومي»:
رأسها في مكانٍ وحمى اشتعالاتها في مكان
وهي بينهما حيرة
تتقمص مجروحةً شكل أنثى
وترتد منصاعةً نحو أرض القنوط
التي أَسْلَمْتها مراراً
إلى مخلب الغثيان
كل ما دار في ذهنها
وهي تنحت أقدارها بيديها
هو البحث، أبعد من نزق الدم، عما يحرر من. عقد النقص جوع الجمال إلى الإحتضان
كل ما دار في ذهنها
، ممسكة بزمام انكساراتها
أن تصد نيوب الخداع
التي أوقفتها على الجرْفِ
بين تخوم الكمال
وبين سفوح الجنون،
فما كان يحتاجه قلبها في الصميم
هو الحب،
يفلق كالسيف ملمس تفاحها المشتهى
وفي ختام الأمسية التي حضرها جمهور غفير من الأدباء كُرّم الضيف من قبل رئيس ملتقى ابن المقرب الأدبي الأستاذ أحمد اللوبم ومسؤول من إثراء الأستاذ معاذ الصقر حيث تم تسليمه درعا تذكاريا بهذه المناسبة.