الكاتب السعودي يوسف الحسن يدعو لجعل القراءة عادة يومية
حول فكرة لياقة القراءة..حوار لمنصة الرياض مع الكاتب يوسف الحسن
أجرت منصة الرياض اليوم الشهيرة تسجيلا صوتيا مع الكاتب الأستاذ يوسف الحسن حول كتابه لياقة القراءة. وقد تضمن التسجيل جوانب متعددة من موضوع القراءة منها فكرة لياقة القراءة ومقارنتها بلياقة الأبدان، وأهمية جعل القراءة برنامجا ثابتا في حياة كل فرد في المجتمع مهما ازدحم برنامجه اليومي. كما تحدث الحسن في هذا اللقاء عن علاقة بعض القراء بالكتب والطقوس التي تصاحب فعل القراءة وتفسير بعض المشاعر المصاحبة، كما تحدث عن جانب مثير في قراءة الروايات وهو العلاج بالرواية، إضافة إلى جوانب أخرى في موضوع القراءة.
جدير بالذكر أن منصة الرياض اليوم http://riyadhtoday.com/ تتضمن موقعا إلكترونيا وتطبيقا وقنوات يوتيوب وبودكاست إضافة إلى صفحة تويتر وغيرها وتجري لقاءات مع عدد من الشخصيات المحلية المؤثرة في عدة مجالات منها المجالات الثقافية والإعلامية والرياضية. أدناه نص اللقاء:
حينما علمتُ بأنَّ كتابي «لياقة القراءة» قدْ وصلَ إلى المركزِ الثاني في أكثر الكتب مبيعًا في قائمةِ أمازون السعوديةِ في قسمِ المقالاتِ والمُراسلاتِ الأدبيةِ، ترسختْ قناعتي حينها بأنَّ جيلَ اليومِ يميلُ نحوَ النصوصِ المختصَرةِ مُقابلَ البحوثِ والنصوصِ المُطَوَّلة. هذا الكتابُ أسميتُه لياقةَ القراءةِ للدَّلالةِ على أن القراءةَ شأنُها شأنُ الرياضةِ لا بُدَّ مِنَ التدرجِ فيها. ففي بدايةِ مِشوارِ القراءةِ ينبغي أن يبدأَ أيُّ شخصٍ بِالكتبِ السَّهلةِ وَالمحببةِ إلى قلبه، قبلَ أن ينتقلَ إلى الكتبِ الكبيرةِ أو الصعبة، تمامًا كما في الرياضة؛ حيثُ يجبُ أن تكونَ هناكَ تمارين تحميةٍ وتمدُّدٍ قبلَ البَدءِ بالرياضةِ الصعبة حتى بالنسبةِ للرياضيينَ المحترفين. وهكذا.. معَ الوقتِ يمكنُ أن يكتسبَ القارئُ لياقةً كافيةً لكي يقرأَ أيَّ كتابٍ، وإلا فقدْ يُصابُ بِرَدَّةِ فعلٍ سلبيةٍ تجاهَ القراءة، كما يصاب الرياضيون بتمزق العضلات والأربطة.
وقد وجهتُ كتابي هذا إلى فئةٍ منَ الناسِ ترغبُ في القراءة لكنها بحاجةٍ إلى مَنْ يُشجِّعُها على ذلكَ بأسلوبٍ سهلٍ وجاذبٍ بعيدًا عنِ المصطلحاتِ الصعبة.
فَالقراءةُ ينبغي أن تكونَ أمرًا أساسيًّا في حياتنا، وأن يجدَ لها الجميعُ وقتًا في حياتِه اليومية. فالأسبوعُ الذي يتكوَّنُ من مئة وثمان وستين ساعةً ينشغلُ الجميعُ فيهِ بما لا يقلُّ عن مئةٍ وثلاثٍ وستّين ساعةً في الأكلِ والشُّربِ والنومِ والعبادةِ والترفيهِ وأنشطةٍ أخرى.
فيتبقَّى حينها خمسُ ساعاتٍ أسبوعيًّا تقريبا يمكن أن يُخصّصَ ولو جزء منها في القراءةِ، ولو ساعتينِ أسبوعيا؛ فهذا سوفَ يُحدِثُ نَقْلةً نَوعية في حياةِ أيِّ إنسانٍ، بل ويزيدُ من جَوْدةِ حياتِه على المدى القصيرِ والبعيد. وعلى القارئِ قبل البَدْءِ أن يُحْسِنَ اخْتيارَ الكِتاب؛ بأن يسألَ عنه أصدقاءَه، أو أن يُراجعَ مواقعَ إنترنت مخصصة لمراجعاتِ الكتب. ولا ريبَ أنه ليسَ من الضروريِّ عندَ اقتناءِ أيِّ كتابٍ أن يُقرَأَ مِنَ الغلافِ إلى الغلاف، بل يمكنُ أن نقرأَ منه أيَّ عددٍ منَ الصَّفَحاتِ حتى لو صفحةً واحدةً إن لم يُعجبْنا.
نعمْ هُناكَ منَ الكتبِ ما يستحقُّ أن نتعلقَ به كثيرًا، بل إنَّ منها كتبًا إذا اقتربَ القارئُ من نهايتِها يُبَطِّئُ من سرعةِ القراءةِ حتى يتلذَّذَ بها بشكل كاملٍ، كما يتلذذُ الشخصُ بأيِّ شيءٍ جميلٍ ولا يرغبُ في الانتهاءِ منه. ومنها كتبٌ يشعرُ القارئُ معَ الانتهاءِ منها أنهُ افتقدَ صديقًا حميمًا، حينها يغلقُ الكتابَ ويُقَلِّبُه ويُعايِنُ غلافَهُ وَبعضَ صَفَحاته، ويدخلُ في حالةٍ منَ الصَّمْتِ تُسمَّى صَمْتَ ما بَعْدَ القراءة، كما يصمُتُ الإنسانُ منتشيًا بالفراغ مِنْ أَيِّ أَمرٍ يُحبه.
وَللناسِ في تعاملِهم معَ الكتبِ طقوسٌ متنوعةٌ تختلفُ من شخصٍ لآخر، وربما يعادلُ عددُها عددَ القراءِ أُنفسِهم؛ فهناكَ منْ لا يقرأُ إلا وهو واقف، وآخرُ لا يقرأُ إلا وهو مستلقٍ على سريره، وثالثٌ لا يستطيعُ إلا قراءةَ الكتبِ التي يملكُها فقط! ورابعٌ يقرأُ فقطْ في دوراتِ المياه، وخامسٌ يمزِّقُ أيَّ كتابٍ بعدَ الانتهاءِ منه.
ويبلغُ حبُّ البعضِ للكتبِ أنهمْ يرفضونَ إعارتها لأحد، ومن الطرائف أنْ أحدِهمْ أنه كانتْ لديهِ مكتبةٌ كبيرةٌ ولم يكنْ يَقبلُ إعارةَ أحد، فَحدثَ أنِ احْترقتْ مكتبتُهُ كُلُّها، ولم يبقَ سوى ذلكَ الكتابِ الذي كانَ عندَ مستعيره.
وقال أحدهم:
ألا يا مُستعير الكُتْبِ دعني * * فإن إعارتي للكُتبِ عارُ
ومحبوبي من الدنيا كتابٌ * * وهل أبصرتَ محبوباً يعارُ؟
وقال آخر:
ألا أيها المستعيرُ الكتابَ - أَلا ارْجعْ بغيرِ الذي تطلبُ
فَلمْسُ السماءِ وأخذُ النجوم - بِكفِّكَ مِنْ أَخْذِهِ أَقْرَبُ
ولا بأس بهذه الطقوس جميعًا، إلا أن يتحولَ حبُّ الكتبِ إلى هَوَسٍ قد يتحولُ معَ الوقتِ إلى سرقةٍ للكتبِ دونَ اعتبارها سرقة!
كذلك يتفاوتُ الناسُ في تفاعلِهم معَ الكتبِ كما يفعلُ مُشجِّعو كرةِ القدم، فهناكَ من يبتسمُ عندما يمرُّ بفكرةٍ طريفة، وآخرُ يتفاعلُ ويبكي، وثالثٌ يصلُ به التفاعُلُ إلى درجةِ أن يتصبَّبَ عرقًا في عزِّ الشتاءِ عندما يقرأُ نصًّا عن أدغالِ إفريقيا، أو أن يرتعدَ من البردِ في عزِّ الصيفِ عندما يقرأُ روايةً لكاتبٍ روسيٍّ حول ثلوجِ سيبيريا، ورابعٌ يحتجُّ على الكاتبِ أن تكونَ نهايةُ الروايةِ مثلًا بطريقةٍ معينةٍ، وقد يكتبُ رسائلَ للكاتبِ محتجًّا على ذلك أو مقترِحًا لسيناريو آخر.
وتستمرُّ الحكايةُ مع مُحبي الكتبِ حتى نصلَ إلى روائيتينِ بريطانيتينِ هما سوزان ألدركن وإللا برتهود، اللتينِ كتبتا كتابًا تحتَ عنوان: العلاجُ بالروايةِ، وذلك لعلاجِ الاضطراباتِ العقليةِ والنفسية. وقد افتتحتا صيدليةً أدبيةً مكونةً من سَبْعِ مئةٍ وواحدٍ وخمسين كتابًا.
ومن هذه الكتب جاتسي العظيم لعلاجِ الإفلاس، وروايةُ مِئةِ عامٍ من العزلةِ لعلاجِ فوبيا الخوف، وبقايا النهارِ لعلاج التسويفِ وتأخيرِ أداءِ الواجبات، والبؤساءُ لعلاج الإنفلونزا.
وفي تواصُلي الشخصيِّ مع الكاتبةِ سوزان ألدركن قالت لي إنها افتتحتْ مع زميلتِها عيادةً لعلاجِ الأمراضِ النفسيةِ وغيرِ النفسيةِ، وأنها مستعدةٌ لاقتراحِ علاجٍ لأيِّ مرضٍ غيرِ مذكورٍ في الكتاب.