آن للأمير أن ينام
من أين لهذه السماء هذا الإشراق .. أكانت تستمده من سناها ؟
أم أخذها جنون الغيرة فراحت تسكب ضياءها ,, خيوطاً تتلألأ على جدائل شعرها ,,
من أين تأتي هذه الصبية بكل هذا الحسن؟!
وكيف يترنم هذا الماء المنحصر في هذه النافورة مع مداعبة كفيها لقطراته !
أهذه الموسيقى تغريد الطيور في حديقته الغنّاء,, أم عزف ضحكاتها الرقيقة تماوجاً مع لعبها البريء !
اقترب منها بتؤدة .. ماشياً الهوينى .. متأملاً خصلات شعرها المحمر المسترسل على كتفيها ,, نصاعة وجهها
تورّد وجنتيها الصافية .. رقة شفتيها الناعمين ..
اقترب منها أكثر .. أمسك بكفها الصغيرة يلثمها ..
ضحكت ليزداد تورّد خديها .. راكعاً .. كراهبٌ يبتهل أمام آلهة !
وانقلب ذلك الغناء حوله إلى وشيش أعاده لعالم الصحو !
تقّلب على فراشه .. يحاول غسل عينيه من آثار ما رأى .. ويعيد ارتشاف واقعه من جديد ..
مجدداً كبين كل فترة .. كصاحب يأخذه الشوق فتجمله رجليه إلى مواعيد اللقاء ... يجد هذا الحلم طريقهُ إليه !
على أن حبوره الكائن في عالم اللاوعي .. سرعان ما ينقلب إلى غيظٍ شديد في حالة الوعي !
لو أن فرويد استيقظ على ذات الحلم ذات يوم .. لخلق من تفسيره للأحلام كتاباً آخر ,,
فقط لو يستطيع إيجاد نهر فليغتون .. كي يغسله من هذا الإثم .. كي ينسيه ما يكون في هذا الحلم الآثم !
كيف ينحني كبرياؤه لصبيةٍ حقيرة .. فيجثو أمامها معلناً انصياعه لجلالتها ..
تُرى أيبعثر الحب جبروته ؟ ويخلق منه إنساناً آخر ؟!
نادى خادمه مزمجراً ..
سعيد .. ويلك من مغبون .. لئن لم تحضرن اللحظة .. موّهت ملامحك المأفونة !
يحضر سعيد مسرعاً يتعثر في خوفه .. فيأمره بإحضار مستشاره حالاً ..
يحضر المستشار ,, وقد ارتدى خفان و غلالته البسيطة تدل على عجلته .. فلم يأمر به الأمير بهذه الساعة إلا و قد حضر عنده قنطروس .
يزفر الكلمات عن صدره ,, يبعثرها على أذني مستشاره
طالباً منه رغوةً تغسله من جنونه .. ماءً يزيل هذا الزبد !
يبتسم الأخير ,, كأن أجنحة النور قد انتشرت مبددةً غيوم الغلسة ..
ينادي سعيداً للبحث بين خادمات القصر .. عن أنثى أخاذة الحسن ..
قد حرمت الأمير لذيذ الكرى .. وتركت بجفونه ساعات الأرق !
انتشر الخبر في القصر ..
كل خادمةٍ راحت تتأمل مرآتها .. لعلها تخلق منها أحلامها .. بسعادة نزلت من السماء ,, لم تطف يوماً مداعبة جفونها !
فرقعت زوجتيه أصابعها .. توتراً .. و قضمن أصابع الغيرة .. تحفزاً لهذه القادمة تنازعهما عرشاً
لا تدريان إن كانت فعلاً قد ارتقتاه ..
تجتمع الخادمات .. تهمسن .. أي سعيدةٍ هذه التي عُقد قدرها أبيضاً في ليلة قدر .
يتهامسن حولها.. وهي لفرط براءتها .. ترسم بسمةً خجولة يتورد فيها وجهها أكثر ..
هي القادمة على قارب حزن .. رماها العوز .. لتُشترى أو تُستخدم .. هي أيضاً لا تدري ..
قد دخلت هذا القصر .. خادمةً ولن تخرجَ منه ,, إلا حين تعطيها سيدتها كلمة إعفاء !
بعثرت أحلامها .. فلعل القدر يبتسم لها أخيراً .. لتعيد رسم حياتها أميرةً مدللة.. ستغدق على الخادمات بالعطايا ..
وستنقل أهلها من دنيا الفقر ..
ستنجب ولداً أو اثنين .. يرثان حسنها ,, ويجانبان قسوةَ أبيهما !
ومشت إلى الأمير على استحياء .. تداعب جدائلها ذات الثامنة عشر عام ..
تمشي كـأميرة .. تعزف خطواتها .. كراقصة باليه ترفرف على حلبة جليد !
دخلت القاعة ,, تنشر ابتسامتها على مُحياها ..
يتفحصها الأمير ومستشاره .. ويأمرها الأخير برفق جميلٍ أن تقترب أكثر ..
تقترب فيسألها الأمير : ما اسمكِ ؟
يتورد وجهها وهي تجيب : جُمان ..
يأمرها الأمير : ارفعي الغطاء عن شعرك يا جُمان .. وافتحيه مسترسلاً ..
يتضرج وجهها بالحمرة أكثر .. مستجيبةً لأوامر صاحب الجنة !
يتأملها .. فيضحك ..
ترسم على وجهها الحسن نصف ابتسامة خجول !
يُخاطبها قائلاً : أتدرينَ يا جُمان أنكِ حرمتِ صاحب العظمة لذيذ النوم ..
تُطرق برأسِها حياءً .. وقد زادتْ ابتسامتها اتساعاً ..
ينادي الأمير سعيد ويأمره :
امسح وجودها من الأرض , وابعث لأبيها بمائة ألف قيمة روحها ..
وحدها .. جُمان .. لا تعلم أتبكي لعمرها المسفوح !
أم تبتسم لعطاءٍ يكفل لأخوتها قوت يومهم !
نظر المستشار إلى الأمير وقد علته الدهشة , و أربكته قسوة الأمير
فأجابه قائلاً : الآن أستطيع أن أنام
قد آن للأمير أن ينعم بلذيذ النوم !