لطفًا.. اتخذ لك رصيفًا
هل اعتدت المشي فوق رصيف؟، ربما قال بعضكم: نعم، حسنًا هذا لا يكفي، هل اعتدت المشي فوق رصيف تتدلى من فوقه كثافة أغصان وارفة الظلال؟، حتى وإن قال بعض البعض: نعم، سأقول: هذا لا يكفي، لأنك تحتاج لأمور أخرى، ستجدها في طيات هذه السطور، لأبدأ بقول: لطفًا.. اتخذ لك رصيفًا، فالمرأة ليست ثعبانًا ولا أفعى أسطورية، المرأة أقرب ما تكون بعجينة من مسك إذا شئت، أو قد تكون طينة الخبال بعينها إن أردت، حاليًا أنا أكتب هذه السطور وأنا أمشي، طبعًا سيفهمني عباقرة الرجال أني أمشي فوق الرصيف، الذي يغص بوارفات الظلال، وهي نعمة يحسدني عليها أكثر الرجال الذين يضعون أحزمة المقاعد بإحكام، ولا يترجلون من سياراتهم الفارهة، ”الحمد لله“ أقولها لأني أدركت فوائد المشي، المشي المستدام نعمة عظيمة يا رفاق، لكونها تساعدنا على نزع القشرة المتصلدة من جماجمنا، فأنا أزعم أنّ لدى الكثير من الرجال قشرة سميكة يحتاجون لتقشيرها أو إذابتها، وأنا أزعم أنّ واحدة من فوائد المشي انتزاع هذه القشرة!
أعود للرصيف الذي ينعم به أمثالي، حيث منّ الله علينا في هذا اليوم برذاذات المطر اللطيف، وكان هذا الرصيف نعمة، ففيه الكثير من الكثافة الشجرية التي تعصمني من الماء!، أعود للحديث عن ”الشيطانة“ كما يصفها رفاقي الرجال الكرام، فهي أعظم خطرًا من إبليس الذي أغوى آدم، نزعم نحن الرجال أنّ إبليس لا يستطيع الانتصار على آدم، بحيلته المكشوفة، لكن البلاء كل البلاء في هذه المرأة التي خلقت من الضلع الأعوج، فمن لديه قدرة تصحيح مسار إعوجاج هذه ”العفرية“ كما يصفها الرفاق الفضلاء، أعود لصاحبي، نعم هو الرصيف بذاته، فهو من أبث إليه حزني وهمومي وآلامي، أنظر لنعمة السماء، وأنا احتمي بسترتي الكحلية من وابل الغيث الوفير، وأقول: لو كنت بطلًا في رواية لكانت امرأة حسناء برفقتي في هذه الأجواء الباريسية، ثم أقول: لعل روائيًا اصطنع لنفسه فتاة أحلامه من معاجين هذه العزلة، فأغرى بها القرّاء.
أفيق من شرودي على واقعي المرير، لكون حمامة حسناء تسكن فوق أعالي الأغصان أسقطت بعض فضلاتها فوق سترتي الأنيقة، أصرخ في طبقات الأعماق: يا للهول، ما هذه الكارثة؟. أتعجل الخطى لأعالج هذه القذارة التي أصابتني من هذا الرصيف، للأسف حتى أعز رصيف لدينا؛ قد يصيبنا بطعنة نجلاء دون سابق إنذار، حمدت الله أني وجدت منديلًا على قارعة الطريق، هنا أدركت أن إلقاء المناديل من السيارات قد يعود على الناس بفائدة غير محسوبة في مثل حالتي المستنفرة، يعلم شعوري الآن أصدقائي الرجال، أي قذارة احتملها، واللطخة القبيحة المقززة تستقر فوق كتفي الأيمن، والمارة يسلمون عليّ بحرارة هذا النهار من نوافذ سياراتهم المفتوحة، وأصطنع الابتسامة اصطناعًا، وأنا أرجو أن لا يرى القذارة أحد، العرق سابق المطر، من شدة الحرج والتحرج، وما أن وصلت إلى الدار حتى نزعت المعطف.
أعاود الحديث في اليوم التالي، بعد أن أرتدي ذات المعطف، بالطبع بعد أنّ تم غسله وتطييبه، أحدث رفيقي بذات الحميمية المعهودة: لا بأس يا صديقي الرصيف، فكل صداقة لها ضريبة، ولعل العزلة لها ضريبة هي الأخرى، لكن الضريبة الأعظم كما يدعي رفاقي الرجال تكمن في هذه المرأة التي كلها شر، وشر ما فيها أنّه لا بد منها. هنا أعلنها صراحة لأصدقائي الرجال: المرأة ليس كما تقولن، فالمرأة مرآة تعكس عليك وهج تعاملك. أظن أنّ المشي مفيد يا رفاق، ويساعد كثيرًا في تغيير طبائع المرأة في نظرنا، لكونه بصراحة يحسن من طبائعنا معها، وهذا ما يجعلنا نشدد على أهمية خوض تجربة الرصيف، فهذا المعطف نظيف، وما غسله لي إلا سيدة ترعى بيتها، وأنا أديم محادثة هذا الرصيف كل يوم، وكل يوم أجد ذات الملابس المتسخة نظيفة ومطيبة، فهل لك أن تتخذ لك رصيفًا يا صديقي الرجل؟، لعله يتمكن من تغيير بعض معتقداتك الخاطئة.