عبدالله «14»
عندما وصلت البيت استقبلتني عائلتي بحفاوة... استقبالا ملؤه الشوق والحب..
بادرتني والدتي بقولها: لقد أصبحت هزيلا يا ولدي ولكن لا تقلق فقد أعددت لك ما يعيد لك روحك وعافيتك...
ما إن انتهينا من أداء صلاة المغرب حتى كانت المائدة الرمضانية تزدهر بالأطباق الشهية... بل كانت أطباق تفوح منها رائحة الحنان والعطف والمحبة...
في تلك الإجازة القصيرة «4 أيام» صرت استنشق ذلك العبير الزاكي حتى أمتلأت رأتاي...
كنت ضمآن فصرت أرتشف من ذلك المعين الصافي...
ملأت روحي بطاقة الأمل...
في آخر يوم وبعد وجبة الغذاء سألتني والدتي هل ستعود إلينا مرة أخرى...
نظرت إليها وقلت: إن شاء الله قريباً...
لقد قرأت في عين والدتي القلق والخوف.. فقررت أن اعود إليها في أقرب فرصة...
سألته وهل عدت مرة أخرى للقطيف؟
قال عبدالله: نعم عدت وفاء لذلك العهد الذي أعطيته لوالدتي... كانت زيارة سريعة «يوم» واحد ولكني رأيت السعادة في وجوه عائلتي.. فكانت هذه الزيارة جرعة تحدي أخرى...
مضت الأيام سريعاً وكنت أمارس عملي بكل جدية وحيوية... وقد شهد لي بذلك ثلة من الزملاء...
مع اقتراب إجازة عيد الأضحى... نسقت إجازتي لتكون «9 أيام» أستطيع أن أنجز فيها بعض الأعمال، ولكي أجتمع فيها مع الأصدقاء الذين عرفتهم بروحهم الايجابية الملهمة.
نعم استثمرت كل يوم وكل لحظة بما يشد من عزيمتي للمرحلة القادمة...
وفي نهاية هذه الإجازة سألتني أمي مرة أخرى متى ستعود؟
أجبتها ولكن كانت إجابتي يشوبها القلق من المستقبل... لا أعلم... ربما بعد شهر وربما أكثر..
في الحقيقة لا أعلم لماذا كنت متوتر... خائف...
ركبت السيارة مع أخي متجهين للمطار ولكن الصمت كان يخيم عليّ...
قال لي أخي: أراك صامتاً...
أجبته: رغم أن هذه الإجازة كانت طويلة وقضيت فيها وقتاً ممتعاً.. إلا أني أشعر بشعور غريب ينتابني... لا أعرف ما هو...
قال أخي: كن مطمئناً ستكون الأمور إلى خير...
وصلنا المطار...
صلينا صلاة الظهر ثم ودعني أخي بعد أن قطعت تذكرة صعود الطائرة وبعد أن دخلت صالة المغادرين.
هنا بدأ المشوار الجديد.. وبدأت حكاية دبي الحقيقية.. كنت مطمئن أن الأمور سارت على ما يرام.. ولكن ما إن دخلت صالة المغادرة حتى شعرت بأعراض هبوط السكر.. لا أعلم لماذا لم أتناول عصيرا أو أي حلى.. فهذا هو العلاج الحقيقي لهبوط السكر..
تأخرنا في صعود الطائرة ساعة كاملة.. وهبوط السكر مستمر..
أخيراً سمعت صوت النداء لصعود الطائرة.. توجهت للبوابة.. والرؤية بدأت في التشوش..
جلست في مقعدي.. وبعدها لم أشعر بشيء.. فقد دخلت في غيبوبة السكر ساعة ونصف...
فتحت عيني.. صرت أنظر حولي... ماذا يحدث لماذا أنا هكذا على «الحمالة»!!
تم نقلي إلى سيارة الإسعاف... عرفت أني وصلت الشارقة وذلك من خلال كلام المسعفين فقد كانت لهجتهم مختلفة عن لهجتنا... سألني أحدهم هل أنت مريض بالسكري؟! أجبته نعم... نظر لصديقه وقال: ألم أقل لكم لو أعطيناه بعض العصير لاستعادة وعيه تماما...
تم نقلي من المطار إلى المستشفى عبر سيارة الإسعاف... حاولت أن أستذكر ما حدث ولكن دون جدوى... بعد إسعافي في المستشفى وبعد الاطمئنان على صحتي عدت مرة أخرى بسيارة الإسعاف للمطار لإنهاء إجراءات الدخول إلى الإمارات...
عندما خرجت إلى صالة الوصول كان بانتظاري صديقي عبدالله العماني... سألني لقد تأخرت كثيراً ماذا كنت تعمل؟!
أجبته: هذه قصة طويلة سأشرحها لك ونحن في طريقنا للشقة...
كان هذا الهبوط بمثابة ناقوس الخطر... ويجب أن أتعامل معه بجدية..
لم تتغير فاعليتي في العمل... علاقاتي بالزملاء كانت في أحسن حال...
خلال فترة عملي في دبي كنت حريص على حضور المناسبات الدينية، لذلك قررت أن أحضر مناسبة الغدير في مسجد الإمام علي مع صديقي عبدالله العماني...
توقف عبدالله عن الكلام...
سألته ما بك...
تناول بعض الماء وقال: في هذا الجزء سأروي لك حكاية دبي والمفاجأة الكبرى... هناك أحداث هي لطف من الله وإلا لكنت... الحادثة ليست عادية...
قلت: لقد شوقتني... أنا أعرف أنك تعرضت لحادثة ما في دبي ولكني لا أعرف تفاصيلها... ولهذا اخترتك من بين الأشخاص لتروي لنا تلك الحادثة..
قال عبدالله: نعم، إليك التفاصيل..
في إحد الليالي قررت مع ميثم «العراقي» وبعض الأصدقاء أن نتناول وجبة العشاء في إحدى المطاعم... كانت الأجواء مريحة جداً.. والأحاديث كانت جميلة... وبعدها عدت للشقة... كانت الشقة «فاضية» فقد سافر عبدالله العماني لعمان لقضاء الإجازة الاسبوعية مع أهله... وخرج هاني «المصري» مع أصدقائه وقال إنه ربما يعود في وقت متأخر..
الهدوء يخيم على الشقة...
ذهبت لغرفتي... تمددت على السرير وأغمضت عيني...
وكانت نومة عميقة جداً..
لا أعلم ماذا حدث... كيف حدث هذا... أين أنا... هذه ليست غرفتي... ما هذه الأجهزة...
هل أنا في المستشفى...
من هذا الشخص الذي وضع رأسه على السرير... هل هو نائم...
تأملت الشخص جيداً.. هذا ميثم... نعم هذا هو أعرفه جيداً.. هذا قميصه...
ناديته... ميثم...
رفع رأسه...
رأيت في عينه الدموع...
قلت: هل تبكي يا ميثم؟!
أجابني هذه دموع الفرح... الحمد لله على السلامة يا عبدالله...
قلت أين أنا... وكيف وصلت إلى هنا...
قال ميثم: هذه قصة طويلة وكانت ليلة عصيبة...
قلت: ألم نرجع من المطعم... أذكر ذلك جيداً... وأذكر أني دخلت الشقة... ولكن ماذا حدث بعد ذلك...
قال ميثم: كلامك صحيح... في الساعة «الواحدة تقريباً» رن جوالي... نظرت إلى الرقم... فرأيت اسمك... تساءلت ماذا يريد عبدالله في هذا الوقت....
فتحت الجوال... أهلا عبدالله...
ولكن كان المتحدث شخص آخر كان يتحدث بسرعة وبخوف... ”أرجوك تعال بسرعة شقة عبدالله لا أعرف ماذا حدث له... إنه لا يتحرك...“ سمعت هذه الكلمات وحضرت شقتك وضربات قلبي تتسارع... كانت الأفكار تأخذني يمنة ويسرى... أيعقل عبدالله...
دخلت غرفتك... فوجدتك كالخشبة ولكنك تتنفس... نظرت لـ «هاني» وقلت علينا أن ننقله للمستشفى بسرعة....
عندما وصلنا للمستشفى سألوني ماذا حدث له؟
قلت لا أعرف...
قال هاني: وجدته مغمى عليه...
بعد الفحص السريع قال الطبيب.. هل هو مريض بالسكري؟!
قال هاني: نعم... فقد رأيته وهو يحقن نفسه عدة مرات بالأنسولين...
وتم عمل اللازم... وها أنت على السرير... الحمد لله أنك بخير...
نسيت أن أخبرك لقد اتصلت بعائلتك في السعودية وأخبرتهم أنك في المستشفى...
عندما سمعت كلمة عائلتك قلت: يا إلهي.. لا أعلم ماذا حدث لهم عند سماع الخبر... بدأت أفكر في عائلتي... هل أتصل بهم...
قال: ميثم آسف ربما سببت لعائلتك نوعاً من القلق عليك...
قلت: لا عليك...
قال ميثم: إذاً هل ترغب في تناول وجبة الغذاء...
قلت: ماذا غذاء... سألته كم الساعة الآن...
أجابني الثانية عشر والنصف
قلت: يا إلهي... يعني هذا أني دخلت في غيبوبة السكر 12 ساعة تقريباً!!
في هذه الأثناء اتصلت والدتي.. كان اتصالها مؤلماً بالنسبة لي فقد كانت تبكي وتطلب مني العودة للقطيف... كانت تقول: هذه المرة «عدت» على خير ولكن لا نعلم ربما يتكرر الموضوع ونخسرك يا ولدي... ارجع إلينا لا نريد أن نخسرك... لا نريد هذه الوظيفة...
قلت: لها لا تقلقي يا أمي سأكون بخير... تحدثت معها بحديث أطمئن قلبها... ثم ودعتها... وعدتها بأن أتواصل معهم يومياً..
في الحقيقة لم أخبرها بهبوط السكر في المرة الأولى عندما كنت في الطائرة...
بقيت أفكر في موضوع «هاني» كيف حضر للشقة أنا لم أشاهده... لقد أخبرني أنه قد يتأخر إلى الصباح...
بعد خروجي من المستشفى عرفت أن هاني عاد للشقة مبكراً... وربما هذا هو اللطف الإلهي وإلا كنت «...» الحمد لله...
بقيت في المستشفى يومي السبت والأحد...
يوم الأثنين ذهبت للشركة... استقبلني الزملاء بروح إيجابية... فأخبرتهم أني كنت مريض بهبوط السكر وتنومت بالمستشفى...
رأيت موظف باكستاني قد ابتسم ابتسامة صفراء... وذهب للمكتب وأرسل تقريرعن غيابي بسبب مرضي بالسكري...
لم تمضي سوى لحظات حتى جاء الرئيس إيان جمس ونادى «عبدالله»... رأيت الشرر يتطاير من عينه... نظرت للموظف الباكستاني...
للقصة بقية