كلمات وبيانات، انتقادات واتهامات
لم أجد متسعاً من الوقت، للملمة الأفكار وترتيب الكلمات، لكنني أتيت هذه المرة عجلاً، رغم أن في أدراجي مقالات أخرى تستحق المراجعة. أتيت عجلاً - بهذه الكلمات - بعد أن سمعت كل ذلك الضجيج الذي يثار هنا وهناك، في قطيفنا الغالية، لأقول كلماتي على عجل - لاقتضاء الضرورة -، فاسمحوا لي على التقصير، واسمحوا لي أيضاً أن أعلن منذ البدء، عن ترحيبي بكل نقد بناء، يوجه لي شخصياً أو لغيري من أبناء المجتمع - وأتمنى أن تقبل تلك الأطراف الأخرى الناقدة بحدة وتطرف للآخرين، نفس مستويات النقد الموضوعي الذي تأمل أن توجهه لغيرها -.
وفي البدء هنا، فلقد جاء البريك، لقطيفنا الغالية، لشيء لم يدعه إليه الشيخ الصفار، ولم يشاركه فيه، أو في الإعداد له، بل فوق عدم مشاركته في الدعوة أو الترويج لتلك المحاضرة التي ألقاها البريك، فهو لم يحضر - أيضاً - تلك المحاضرة، التي تمت فعالياتها على «صالة الملك عبدالله - بالقديح» بطريقة خاصة، واكتفى الصفار، باستضافة البريك في منزله بالقطيف فحسب، ضمن بروتوكوله الخاص، وضمن برنامجه المعروف وشروطه الخاصة، وضمن توجهه المعلن للجميع، والهادف لتعزيز التعايش وتشجيع الحوار ونبذ الاحتراب والعنف والصراع، الذي يقره كل عاقل رشيد.
وبعد هذا الحدث المثير للجدل، «حدث المحاضرة وحدث الاستضافة»، انفلتت سهام بعض العوام وبعض طلبة العلوم الدينية، نحو الشيخ الصفار، تريد إسقاطه وتحطيمه، باعتبار أنه / أو بحجة أنه، قد تاجر بالمقدسات أو داسها - مع أن الأئمة ، قد زاروا من هم أسوء من البريك، في نظر البعض، ولم يجرؤ أحدٌ على اتهامهم في الدين أو تسقيطهم -، أو باعتبار أنه قد تساهل في الدفاع عن العقيدة وتحصينها - من خلال واقع نظرة سطحية غير واعية للأمر، فالأديان والعقائد لدى الناس، أعمق وأعقد من أن تداس بأعقاب الأحذية والزيارات أو الخطب والمحاضرات -. وهنا استخدم المقدس - من قبل بعض المنتقدين، لا الكل طبعاً - للدوس على رأس الصفار، لأنه بهمته العالية وجهوده المتواصلة ووعيه الكبير، أراد أن يسبق الجميع في ساحة التنافس لفعل الخير، فجهله قوم، وحسده آخرون، فوجهوا إليه النقد واللوم والعتب حيناً، وأحياناً أخرى، السب والشتم والذم والاتهام، حسداً وغيرة.
وفي الحقيقة، فليست استضافة الشيخ الصفار للشيخ البريك هي أول حدث ديني مستغرب يقوم به، تستغربه منه جماهير العوام، وبعض طلبة العلوم الدينية أيضاً - خصوصا الجيل الصغير والصاعد منهم، أو الجيل الذي لم يفقه الحياة بعد، أو لم يلامسها ملامسة عملية واعية -. فقديماً كانت زيارته في الرياض للشيخ الراحل عبد العزيز بن باز - المفتي السابق للمملكة العربية السعودية -، والتي تفاجأت أنا شخصياً منها في حينه - خصوصاً أنها كانت في أجواء أكثر تشنجاً وتشدداً وعتمة -، لكن الأيام أثبتت لي، وربما لآخرين غيري كثر، فيما بعد، ذكاء وحكمة وحنكة، الشيخ الصفار، التي يلومه البعض عليها حتى اليوم - حسداً له أو جهلاً به -، غافلين أو متغافلين عن: أن الشيخ الصفار، هو بالتأكيد من أولئك النفر القلة في القطيف الذين قد عجنتهم غزارة المعرفة والثقافة وغزارة تجارب الحياة خلال العقود القليلة الماضية، فأصبحوا من القلة التي يوثق برأيها وفكرها في أعقد الملمات والمهمات الصعبة.
وفوق ما سبق، فالشيخ الصفار - أيضا -، ليس هو أول أو آخر شيخ شيعي يخرج عن الخط العام لرضا الجماهير والعوام بسيطي التفكير، المصفقين في الشارع العام، لآراء لم تعرف حالة النضج بعد، ولم تعرف أخواتها، والمنقادين بسذاجة للمألوف والموروث والمشهور من القول والفعل فحسب، فها هو الشيخ حسين الراضي كذلك، وها هو السيد علي الناصر، وها هو السيد حسن النمر، وهاهم آخرون صامتون خائفون يهمسون في أقبيتهم ومجالسهم، الخ، وكلهم لهم آراء لا ترضي بالتأكيد كل الجماهير، أو معظمها، وهو أمر يبشر واقعاً بالخير والبركة - أن يكون هناك من رجال الدين المثقفين من لا يخضع للمألوف من السلوك والقول العام -، فهذا دليلٌ دامغ على أن الدين في بعض المواقع وفي بعض المواقف وعند بعض الأفراد والفئات أقلاً، لا تسيره أهواء الجماهير، أمام ذاك الانسياق الحاصل أحياناً لرأي السذج والعوام من قبل البعض في بعض أو كثيرٍ من المواقف والأحيان، وهو ما سمعنا الشيخ الدكتور الوائلي «رح»، من قبل، محذراً الخطباء والعلماء منه في بعض محاضراته.
وهنا، فإنه من الضروري أن ندرك، أنه سواءً رضيت الجماهير أم لم ترضى، عن فلان أو فلتان أو عن غيره. وسواءً كان الشيخ الصفار هو من يتصدر الساحة القطيفية والشيعية المحلية، أو كان غيره هو المتصدر لها. فستظل سنة الحياة كامنة في الاختلاف والتنوع والتباين، ولن نصل أبداً لواقع حقيقي مطلق مكرس لأحادية الرأي، ينضوي فيه الجميع برضاهم تحت رأي واحد. ومن واقع التجربة، يتأكد ذلك أيضاً، فقديماً، اختلفتم يا شيعة القطيف، وقديماً، تصارعتم، وقديماً، تجادلتم، ولازلتم حتى اليوم، كذلك، وستظلون هكذا إلى الأبد، ولا أعيب عليكم ذلك الاختلاف، الذي أنتم فيه، والذي أوجده رب الملائكة، ورب السماء، فهو سنة واقعية، تفرضها الحياة، ومعادلاتها، التي لا تعترف بقناعاتكم ولا بأهوائكم ولا بعواطفكم كثيراً، بل ولا ترضي حتى كل مشاعركم الإنسانية النبيلة، ولا تستسلم لها. لكنني من جهة أخرى، أعيب عليكم، وألومكم على، الانشغال بتوافه الأمور وسفاسفها، وما لا يثمر، وما لا يجدي، وما لا يفيد، في ساحات الوعي والمعرفة الحقيقية، وساحات التنمية الواقعية. فالأولى بكم، إن كنتم تتحاسدون وتتنافسون، وأحسبكم بالفعل غالباً كذلك، أن تتنافسوا في ساحات المعرفة العلمية والثقافة العصرية، وفي ساحات التنمية، فانظروا أين أنتم؟؟؟!!!. وأين صراعاتكم ونقاشاتكم الماضية والحالية؟؟؟!!!.
فأين صراعاتكم المرجعية الماضية، اليوم؟ وأين حروبكم ضد بعض الفقهاء، اليوم؟ وأين جدلكم حول "زفة القاسم بن الحسن "، اليوم؟ وأين ما خضتم من حروب الفضيلة القديمة، اليوم؟ وأين صراخكم ضد الغزوات الثقافية والفضائيات والنقاب والعباءات، اليوم؟ وأين كل بقية صراعاتكم القديمة، اليوم؟؟؟!!!. فهل لازالت هي هي حتى اليوم، لم تتغير، ولم تتبدل؟؟؟!!! أم غيرتم آراءكم وصراعاتكم، وبدلتم بعض جلودكم - بحسب مقتضيات العصر، والفترة الزمنية، التي تمرون اليوم فيها -؟؟؟!!!.
لقد تبخر - بالفعل - الكثير من نقاشاتكم العقيمة في الهواء الطلق، مع مرور الوقت، أو خفت حدة تلك النقاشات والحوارات - تبعاً لتغير أفكاركم، وتغير مستويات الأدرينالين، في دمائكم -، أو تحورت نقاشاتكم وتبدلت غصباً عنكم، ولا زلتم أنتم أنتم، قابعون، في خانات المفلسين والخاسرين، حضارياً وفكرياً، صناعياً وسياسياً وعلمياً، فماذا استفدتم من هرائكم القديم - المتجدد - الذي كنتم ولا زلتم، تلبسونه لبوس الدين؟؟؟!!!.
لقد حدثني قبل أيام، عزيزي الكاتب الأستاذ/ عماد الدبيسي، في زحمة انشغالاتي، عن أحد البيانات، الذي صدر وأثار ضمن ملابساته الخاصة، زوبعة في الساحة القطيفية - والذي لم ألتفت له كثيراً، ولم أعره اهتماما كبيراً، خصوصاً في بادئ الأمر، قبل أن ترتفع الجلبة -. وقرأت لصديقي القديم الجديد الكاتب الأستاذ/ حسن آل حمادة، مقالاً متعلقاً بهذا الأمر، عبر فيه عن رأيه الخاص في هذه المسألة. وقرأت أيضاً كذلك، عدداً آخر من المقالات المتعلقة بالموضوع، وقرأت فوق هذا، بعض تلك المقالات، التي نشرت - ضمن هذه الفترة - ضد سماحة الشيخ حسن بن موسى الصفار، في بعض الشبكات الإخبارية - ولست هنا «طبعاً» بحاجة لأن أقف مدافعاً عنه، وهو «كذلك» ليس بحاجة لمثلي للدفاع عنه -، ولازلت أكرر في ذهني: "إنها - أي تلك الصراعات الفكرية في الساحة - ليست سوى زوبعة في فنجان"، بيانات وخطابات، صراعات وجدل وحماس، قديمه كالجديد، وانتهى الأمر، أو وسينتهي الأمر، كما انتهى غيره - طبعاً -.
فهل، وهذا هو واقع الحال، الذي نعرفه تماماً، يجب - حقاً - أن ننشغل كثيراً، وأن نضطرب ونقلق، ونقف - كذلك - موقفاً متشنجاً جداً، كما يعتقد البعض، أمام مثل تلك الحروب الفكرية والثقافية والعقلية؟؟؟!!!. أم لا؟؟؟!!!
أتصور شخصياً، أنه في حال توافرت الضوابط الملائمة، التي تكفل للجميع، عدم تحول تلك الخلافات والصراعات الفكرية والثقافية والعقلية، إلى تصفيات جسدية، وصراعات واقعية حياتية معاشة، تدمر الأفراد والمجتمع، فيمكن حينها غض الطرف عنها، والتقليل من خطرها، أو اعتبارها حينها مجرد نوع من أنواع الخلافات الحميدة، أقلاً، بل قد تكون، بحسب نوعية مواضيع الخلاف والنقاش، المثارة، أحياناً، بشائر خير وصحة وصلاح، ودلائل على أننا نعيش في «مجتمع حي»، مفكر وناقد لكل ما يطرح عليه، وضمن أسواره، من فكر، كما حصل «في مجتمع حي آخر» مع ذلك الخطيب والإمام في أحد مساجد الأردن، حين هاجم مذهب الشيعة، وهاجم سماحة السيد حسن نصر الله، فأخرسته يقظة الجماهير السنية الحية المتنورة، غير الغافلة وغير الغافية، عن تلك الخطط والأفكار الغبية والحمقاء، وغير البريئة.
وطبعاً فالضوابط المحصنة للمجتمع، في ظل التنوع والاختلاف، مختلفة ومتنوعة. ويمكن أن نحصر منها، ما يلي: الضابط السياسي وقوة ردع الدولة وأنظمتها وقوانينها، وفرة الواعين وتشكيلهم الواقعي لصمام أمن يحمي المجتمع والأمة، طبيعة مصالح الأفراد واهتماماتهم المعيشية التي تلزمهم بالسلم والتعايش وتنفرهم في ظل تلك الاهتمامات من الصدام والاحتراب، ثقافة التسامح والتعايش التي تخفف من وطأة العواطف والانفعالات النفسية التي تؤججها بعض الصراعات الفكرية والثقافية والعقدية، الخ. وهذه الضوابط كلها بالتأكيد متوفرة في البيئة السعودية، بشكل جيد، ومتوفرة كذلك في مجتمع القطيف أيضاً، بالقدر المطلوب، الكافي لحماية المجتمع، من تحول زوابعه الفكرية، إلى زوابع واقعية دامية ومدمرة.
فلقد تجاوز المجتمع السعودي، رغم خلافاته الحادة وصعوباته الواقعية، بؤر انفجار دموية كثيرة، تشهدها الساحة السعودية الدينية والثقافية والفكرية والسياسية، منذ زمن طويل، وحتى اليوم. وكذلك لازال المجتمع القطيفي بتنوعاته وخلافاته، يتجاوز بؤر الصراع والاختلاف والاحتراب الحادة، سواء كانت عقائدية أم فكرية أم ثقافية، الخ، وذلك فقط، لأنه مجتمع مسالم متسامح معتدل بطبعه، بقدرٍ ما، يرفض العنف، وتحيطه في نفس الوقت ظروف موضوعية، سياسية واقتصادية واجتماعية، تكبل جموح أفراده، وتمنع التحول نحو الصراع والاحتراب والعنف.
واليوم، مجدداً، ها نحن أمام صراعات، متجددة في هذه الحياة، وهي بالطبع ليست وليدة اليوم ولا البارحة، لكنها قدر البشرية جمعاء، كما قلنا وكما أسلفنا، ولا يمكن بالتأكيد أن تكون هذه الصراعات والنزاعات الفكرية والثقافية والعقدية نزيهة ومنطقية 100%، إذا أردنا، كما قد يتوهم البعض. لكن ليس من المعيب أيضاً، ولا من الخطأ، الدعوة للتهدئة، وضبط تلك الحوارات والخلافات والتراشقات والصراعات وتقنينها ومنطقتها، فتطوير الصراعات للوصول بها للحالة الأفضل والأنسب - كما حصل عبر الأنظمة الديمقراطية -، أمرٌ ممكن، وإيجابي وحضاري ومطلوب، بلا شك، وليس أمراً ممتنعاً ومستحيلاً أو غير قابلٍ للتنفيذ والتطبيق.
إنني واقعاً، أرحب بذلك «التسخين» الحاصل فوق أرض القطيف الغالية، وأرى أنه إيجابي، وأرى أن لا أحد - أياً كان - فوق النقد - وهذه التجربة الحاضرة، التي عايشناها هذه المرة في هذه الأيام، رغم عيوبها ومثالبها ونقائصها، ورغم عظمة ومكانة من وجهت له السهام فيها، هي ترسيخ واقعي آخر لمبدأ ولحالة الحوار والنقد، لكنه جاء للأسف بطريقة غير مرضي عنها بالكامل، كما أن البعض لا يريد لهذه الحالة أن تعمم فتطبق على كافة ألوان وأشكال الرؤوس والعمائم القطيفية أو الشيعية أو السعودية، الخ -، وهنا سأضيف مؤكداً مجدداً، أنه لا قداسة لأحد - ولا أعني، طبعاً، أنه لا كرامة لأحد، ولا وقار لأحد، ولا حق في الإنصاف لأحد، كما قد يتوهم البعض -، وأنا هنا مقتنع تماماً أيضاً أن الشيخ الصفار ومن هم بحكمه أقدر من غيرهم على تقبل النقد، بل ولا أتوقع من الشيخ الصفار أن يرفض النقد، من أيٍ كان لأيٍ كان، خصوصاً، ذلك النقد البناء، الذي يعالج قضايا التنمية، والقضايا المنطقية الواقعية الحياتية المعاشة - ولهذا أحترمه كثيراً، وأكن له الكثير من التقدير، والإعجاب والإكبار -، وأتمنى أن لا يمتنع أي طرف آخر في المجتمع القطيفي والشيعي خصوصاً، عن قبول النقد، وأؤكد، أنه ليس معنى هذا أن نقبل بالفتن والتسقيط وسوق التهم جزافاً دونما دليل وبرهان، بل معنى ذلك هو، ضرورة وإيجابية القبول بالمحاسبة لكل أحد وتشجيعها لتتم بالطريقة المنطقية والمثلى - ومع ذلك فستبقى مساحة الأخذ والرد هنا واسعة، لأننا لسنا في مجتمع معصومين يمكن أن ينتقد دون الوقوع في الأخطاء -.
كما أن من واجب الشيخ الصفار أيضاً، وهو أحد أفراد هذا المجتمع القطيفي، وكل من يتعرض للنقد مثله كذلك، ومن هم بحكمه هنا، الدفاع عن مشروعه والترويج له ورد الانتقادات الموجهة له ولفكره ولمشروعة - في بعض المواقع والمواقف الملائمة والمناسبة طبعاً، التي يشخصها هو، بحكمته وفهمه ونباهته وذكائه هو -، ففي ذلك إثراء للساحة وتطوير لفكر وثقافة ووعي أبناء المجتمع، أو أقلاً تطوير لفكر وثقافة ووعي النخبة المثقفة من أبناء هذا المجتمع.
إن الصراعات الفكرية أمر جيد ومطلوب، لكن السؤال الجيد هنا هو: ما هي تلك المجالات والمواضيع التي تخدم رقي وتحضر وتطور أبناء المجتمع، ويجدر بنا الانشغال بها؟؟؟!!! وما هي تلك الصراعات الفكرية والثقافية، التي تعد هدراً وضياعاً للثروات والجهد والوقت؟؟؟!!!. أتصور أن هذا سؤال مهم، يجب أن نطرحه على جميع أفراد وأبناء المجتمع، ليكون مدار البحث.
ومن جهة أخرى، فإننا كمسلمين، وكشيعة، وكجماعات دينية، فإن علينا أن لا نغفل عن أن لنا بالتأكيد صراعاتنا الخاصة، التي تختلف عن صراعات وتنافسات المجتمعات المادية المتجهة بقوة نحو المعرفة والتنمية، فمن الطبيعي أن تلبس الصراعات الدنيوية لدينا في هذه الساحة في مثل هذه الأجواء، ثوب الدين والورع والزهد والتقوى، ولذا يجب الحذر، ولذا كذلك لا يعقل أن نصدق في مثل هذه الأجواء الدينية، كل تهمة تطلق ضد العاملين في المجتمع، فقط لأن هناك جماعة متطرفة ومتشددة ومنغلقة، تدعي اتصالاً بالله، وإيماناً وورعاً يميزها عن بقية الناس، فتشكك في عقائد وإيمان ثلة من الناس، من أولئك الذين يعملون بجد فقط في ساحات الحب والتعايش والسلم والتنمية والصلاح، خصوصاً عندما يأتي ذلك القدح والاتهام من قبل أفراد مفلسين دنيوياً ومعنوياً وفكرياً، فلا يرون الدين إلا في الزوايا الضيقة من الحياة الموصلة فقط إلى القبر، ولا يرونه إلا في زوايا التعبد المعتمة بعتمة الجهل؟؟؟!!!.
فهل هذا حقاً هو دين الله، يا ترى؟؟؟ وهل هذا هو ما جاء من أجله أكرم الرسل ؟؟؟ وهل يعقل أن يكون الدين هو ذلك الجهل والظلام؟؟؟ وضياع الحب والتعايش والتسامح، بين مختلف فئات وصنوف البشر؟؟؟!!!.
وهنا، سيقول البعض من الناس، نعم، الدين لا يهتم بالدنيا ولا بزخارفها، ولا تهمه أفكار التنمية ولا أفكار التعايش، ولا يهمه سوى الآخرة، والجنة والنار، وشقاؤهما ونعيمهما، ومن يشك في ذلك، فهو إنسان جاهل وأحمق وأبله، بل، وفاسد الإيمان والدين والعقائد، ولا يستحق الاحترام والإكرام بين بني البشر.
وهذا الكلام ليس من أوهامي، وليس من صنيع الأحلام والخيال. فلقد سألني أحد الإخوة الأعزاء، ذات مرة، عن التعايش - محاولاً محاكاة واقع الفكر في هذا المجتمع -، هل هو فكرة دينية متوافقة مع الإسلام وقوانينه، أم أنه مجرد فكرة علمانية دخيلة خالية من الدين والإيمان؟؟؟!!!.
وهذا التساؤل والكلام، بالطبع «خطير جداً»، حيث أنه يحمل سبة للإسلام، وله معانيه ودلالاته العميقة جداً - التي لا يعقلها الجميع -، والتي أفضل أن أترك تدبرها لكم أنتم. أما أنا من جهة أخرى، فسأنتظر البيان التالي، لأقول لغير العاملين، ستبقون مجرد "زوبعة في فنجان"، ولأقول للمتحاورين والمتجادلين بالتي هي أحسن، وفي المواضيع الجادة المثمرة خصوصاً، بل وحتى لجميع نقاشات التنمية حتى الفوضوية منها، فسأقول، مرحباً بهذا التسخين، وشكراً لكم، وبارك الله.