احذروا لصوص شهر رمضان
في قلب المدينة، حيث يلتقي ضجيج الحياة بإيقاع الزمن، كان الحاج علي يجلس في فناء بيته العتيق، تحيط به عائلته كما يحيط القمر بالنجوم. مساءٌ دافئ، تُزيّنه نسائم شهر رمضان التي تحمل معها عبق الإيمان ونفحات الذكر. مضت خمس ليالٍ من الشهر الشريف، وكان هذا المجلس الرمضاني عادةً لا يحيد عنها، يجتمع فيه أبناؤه وأحفاده، يستمعون إلى حكمته، كما يتلقّى النهر ماءه من المنبع الصافي.
نظر إليهم بعينيه اللتين تحملان آثار السنين، ثم قال بصوت هادئ، لكنه نفذ إلى أعماق القلوب:
”شهر رمضان كنز، ولكن هناك لصوصًا يتربصون به، يسرقونه منكم دون أن تشعروا… فاحذروا!“
ارتفع حاجبا حفيدته الصغيرة في دهشة، وغمغمت ببراءة:
”لصوص؟! وهل يسرق أحدٌ شهر رمضان؟“
ابتسم الجد، مسح على رأسها بحنان وقال:
”نعم يا صغيرتي، ولكنهم ليسوا لصوصًا يحملون الأقنعة، بل لصوصٌ يتسللون في ثوب العادة، نأنس بهم فلا نشعر بسرقتهم!“
ثم التفت إلى ابنه الأكبر وقال:
”أولهم التلفاز! ذاك اللصّ الذي يخطف ساعاتكم، يُغريكم بمسلسلات وبرامج، فتسهرون لاهين، ثم تستيقظون متعبين، فتضيع صلاة الفجر وقيام الليل.“
أومأت زوجة ابنه موافقةً وأضافت:
”لكن الأسواق أيضًا لصٌ ماكر! نخرج لشراء القليل، فنعود محمّلين بما لا حاجة لنا به، ننسى أن شهر رمضان شهر العبادة لا شهر الاستهلاك.“
ضحك الحاج علي، وقال بصوت يملؤه الرضا:
”أحسنتِ! الأسواق مصيدة للوقت والمال، تجذبكم ببريقها، فتنسون أن هناك من ينتظر إحسانكم. الحل بسيط: اشتروا ما تحتاجونه فقط، ودعوا عنكم الإسراف.“
تدخل حفيده بحماس وقال:
”لكننا نسهر في شهر رمضان! أليس هذا طبيعيًا؟“
أجابه الجد بعينين تشعان بالحكمة:
”السهر ليس المشكلة يا بني، ولكن أين تقضونه؟ إن كان في الذكر وقراءة الدعاء، فهنيئًا لكم! وإن كان أمام الشاشات، أو في مجالس لا نفع فيها، فاعلموا أن الوقت يُسرق منكم، وحين تنتبهون… يكون قد فات الأوان.“
تنهدت إحدى بناته وقالت:
”والمطبخ يا أبي؟ إنه يسرق وقتنا! نقضي ساعات في إعداد أصناف لا نأكل نصفها.“
ضحك الحاج علي وقال ممازحًا:
”وهذا لصٌّ ماهر! شهر رمضان ليس مهرجان طعام، بل فرصة لتخفيف الجسد والروح. اجعلوا موائدكم بسيطة، كما كانت موائد من كان قبلكم، فالروح لا تتغذى بالطعام، بل بالذكر والعبادة.“
ثم التفت إلى الشباب وقال بلهجة تحذير:
”ولا تنسوا الهاتف! المكالمات الطويلة، والغيبة، والنميمة… كلها لصوصٌ تحترف سرقة حسناتكم. اجعلوا ألسنتكم تذكر الله، بدلًا من ذكر الناس.“
رفع أحد أحفاده الصغار يده قائلاً بفضول:
”جدي، هل هناك لصوص آخرون؟“
ابتسم الجد وقال:
”كثيرون يا بني! مثل البخل، الذي يُقيد الأيدي عن الصدقة، رغم أن شهر رمضان شهر الجود. ومثل المجالس التي لا يُذكر فيها اسم الله، فتمضي بلا فائدة.“
ثم أخذ نفسًا عميقًا، وقال بصوت جاد:
”لكن أخطر اللصوص، هو وسائل التواصل الاجتماعي! تأخذ أعماركم في التصفح، تُغرقكم في عالم افتراضي، بينما تضيع عليكم لحظات الرحمة والمغفرة.“
ساد الصمت للحظات، وكأن كل واحدٍ منهم يعيد حساباته. ثم ابتسم الجد وقال، كمن يضيء شمعةً في ظلام:
”الآن وقد عرفتموهم، احرسوا رمضانكم جيدًا. لا تمنحوا هؤلاء اللصوص فرصةً ليسرقوا أجمل أيام العام!“
خرج الجميع من المجلس بروح جديدة، عازمين على أن يكون رمضانهم هذا العام مختلفًا… رمضانًا محروسًا، طاهرًا من اللصوص.